حال العصاة والكافرين
ويندم العصاة ويتحسرون على تفريطهم في الطاعة، ولشدة حسرتهم يعضون على أيديهم يقول عز وجل:
وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً [الفرقان:27] ويمقت العاصي نفسه وأحبابه وأخلاءه، وتنقل كل محبة لم تقم
على أساس من الدين إلى عداء، ويخاصم المرء أعضاءه، والمتكبرون يحشرون أمثال
الذر، يطؤهم الناس بأقدامهم، احتقاراً لهم، والمسبل إزاره لا يكلمه الله
في ذلك اليوم، ولا ينظر إليه، ولا يزكيه وله عذاب أليم، وتوضع لكل غادر يوم
القيامة راية عند مؤخرته ويقال: هذه غدرة فلان بن فلان، ومن أخذ من الأرض
شيئاً بغير حقه خسف به يوم القيامة إلى سبع أراضين، ويتضاعف يوم القيامة
ظلم الدنيا
{ الظلم ظلمات يوم القيامة } والحقوق لا تضيع، بل يقتص حق المظلوم من الظالم حتى يقاد فيما بين
البهائم، وشر الناس يوم القيامة ذو الوجهين الذي يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء
بوجه، ومن نفّس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفّس الله عنه كربة من كرب يوم
القيامة، ومن يسّر على معسر يسّر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر
مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة، والعادلون على منابر من نور عن يمين
الرحمن، ويبعث كل عبد على ما مات عليه فمن مات محرماً يبعث ملبياً، ومن قتل
في سبيل الله جاء لونه لون الدم والريح ريح المسك، والمؤذنون أطول الناس
أعناقاً يوم القيامة، ولا يسمع مدى صوته شيء إلا شهد له يوم القيامة، ومن
شاب شيبة في الإسلام كانت له نوراً يوم القيامة، وكل امرئ في ظل صدقته حتى
يفصل بين الناس. والصراط دحض مزلة فناج عليه، ومخدوش ومكدوس في النار،
والميزان بالقسط لا اختلال فيه، الحساب فيه بمثاقيل الذر
فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ (7) وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ [الزلزلة:8،7] الحمد لله تملؤوه، وسبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم ثقيلتان فيه، يقول عليه الصلاة والسلام:
{ أثقل شيء في الميزان تقوى الله وحسن الخلق } والصحف المطوية تنشر، كم من بلية نسيتها وكم من سيئة أخفيتها تظهر،
والكتاب يقرأ، والجوارح تنطق، والملائكة تشهد، والله شهيد على جميع
الأعمال، يقول تعالى:
وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ [يونس:61] وبعد أن يفرغ الله من الفصل بين البهائم يشرع في الفصل بين
العباد، وأول الأمم يقضى بينها هذه الأمة، كما أنهم أول من يجوز على
الصراط، وأول من يدخل الجنة يقول النبي
:
{ نحن الآخرون السابقون يوم القيامة } وفي رواية:
{ المقضى لهم قبل الخلائق } [رواه مسلم] ويكرم الله عبده محمداً
في الموقف العظيم بإعطائه حوضاً واسع الأرجاء مسيرته شهر، وماؤه أبيض من
اللبن، وأحلى من العسل، وأطيب من المسك، ترى عليه أباريق الذهب والفضة كعدد
نجوم السماء، من شرب منه شربةً لم يظمأ بعدها أبداً، ويرد عليه أقوام من
أمته ثم يحال بينهم فيقول عله الصلاة والسلام:
{ إنهم مني } فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك فيقول:
{ سحقاً سحقاً لمن بدل بعدي }.
النجاة من هذا اليوم
إن النجاة من تلك الأهوال إنما تُنال برحمة الله، ثم بالعمل
الصالح، والإنسان المقصر في ذلك اليوم نادم لا محالة، لا تنفع فيه المعذرة
ولا يرتجى فيه إلا المغفرة، طالت بك الأيام أم قصرت فمصيرك إما جنة وإما
نار.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ
الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ [فاطر:5].
المفلس يوم القيامة
المفلس يوم القيامة من يأتي بصلاة، وصيام، وزكاة، ويأتي وقد شتم
هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيُعطى هذا من حسناته
وهذا من سيئاته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من خطاياهم
فطرحت عليه، ثم يقذف في النار.
يقول صالح المري
دخلت المقابر نصف النهار فنظرت إلى القبور كأنهم
قوم صموت، فقلت سبحان الله من يحييكم وينشركم من بعد طول البلى، فهتف بي
هاتف من بعض تلك الحفر: يا صالح:
وَمِنْ آيَاتِهِ أَن تَقُومَ السَّمَاء وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ
إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِّنَ الْأَرْضِ إِذَا أَنتُمْ تَخْرُجُونَ [الروم:25] قال: فخررت مغشياً عليّ ).
يقول الحسن البصري: ( يومان وليلتان لم يسمع الخلائق مثلهن قط، ليلة
تبيت مع أهل القبور ولم تبت قبلها مثلها، وليلة صبيحتها تسفر عن يوم
القيامة، ويوم يأتيك البشير من الله إما بالجنة أو بالنار، ويوم تعطى كتابك
إما بيمينك وإما بشمالك ).
فاستعدوا عباد الله لما أمامكم، واعملوا لهذا اليوم الطويل، جعلنا
الله وإياكم من أهل الجنة، وغفر لنا ولوالدينا لجميع المسلمين، وصلى الله
وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.