| ||||||||
ولقد كانت تلك الآثار ممثلة في أثمن مقتنيات المتاحف العراقية أهدافا لتداعيات وسلوكيات الحرب التي شنت على العراق في التاسع من أبريل/ نيسان 2003، سواء بشكل مقصود ومنظم أو على نحو عشوائي قام به الغوغاء تعبيرا عن حالة عايشوها وأفرزت تلك السلوكيات بعد زوالها. لقد حلت كارثة رهيبة بالتراث والآثار والهوية التاريخية القديمة للعراق، فقد استبيحت المتاحف والمكتبات ودور المخطوطات تحت سمع وبصر قوات التحالف التي شنت الحرب على العراق، ولم يقف الأمر عند هذا الحد فقد تواردت شهادات ممن عايشوا ورأوا وتابعوا فصول هذه الكارثة الحضارية التاريخية أدانوا فيها قوات الاحتلال بالمشاركة المباشرة فضلا عن غير المباشرة، في نهب كنوز العراق الأثرية والثقافية وغضوا الطرف عن تدميرها وإحراقها. ومن المسلم به أن مفكري وفلاسفة ومخططي شن الحروب يضعون في رأس قائمة أهدافهم المصالح الاقتصادية التي سيؤمنونها من خلال الحرب غير أن الصبغة التي تتلون بها صراعات مطلع القرن الحادي والعشرين تشير إلى دخول عناصر الجذور التاريخية والحضارية والعرقية والدينية كمحركات إضافية بل ربما أحيانا أساسية ولكن مختفية وراء الخطاب الإنساني أو الاقتصادي أو الأمني. وليس من المستهجن والحالة هذه الذهاب إلى الشك في أن هنالك مصلحة لأصحاب هذه المحركات في محاولة تدمير أو محو أو طمس أجزاء من تراث العراق وأجزاء من هويته الثقافية وأجزاء من تراثه أو استخدام المنهوب منها في تحريف وتزوير أصول الحقائق التاريخية القديمة التي لا تلبي مصالح تلك الجهات المعاصرة أو مشاريعهم القادمة. لقد جرت في العراق حملة بحث محمومة عن مخطوطة يزعم بأنها "أقدم نسخة من التلمود في العالم" ويفترض أنها كانت موجودة في مقر الاستخبارات العراقية وقامت بالبحث مجموعة من الجنود الأميركيين من "فريق ميت ألفا"، الذي كان يبحث عن أسلحة الدمار الشامل، برفقة أعضاء من المؤتمر الوطني العراقي. ولم تعثر الفرقة إلا على كتب دينية يهودية من بينها نسخة تلمود مطبوعة في فيلنا ليتوانيا، تعود إلى القرن التاسع عشر، إلا أن التقرير الذي كتبته جوديث ميللر من الـ"نيويورك تايمز" لافت في أكثر من جانب. ففريق ميت ألفا كان مترددا في بادئ الأمر في قبول طلب البحث عن النسخة التلمودية، تلبية لطلب أعضاء من المؤتمر الوطني العراقي، لأن مهمته تنحصر في "إثبات وجود أسلحة غير تقليدية وليس إنقاذ الكنوز الحضارية والدينية". لذا فمن المؤكد أن هناك من يقف وراء هذا الاهتمام الزائد بنسخة من التلمود حتى يقوم بالبحث عنها «فريق ميت ألفا". وفي مقال له في الـ"وول ستريت جورنال" دعا هيرشل شانكس إلى شراء القطع المنهوبة تعبيرا عن رفضه لموقف "المؤسسة الأميركية للآثار" التي تدين بيع جميع التحف الأثرية، وحسب تعبيره فإنها تشوه بذلك سمعة هواة جمع التحف، وتنظر إلى تجار التحف كوسطاء بين اللصوص والهواة، الذين يشملون كما يقول متحف ميتروبوليتان للفنون في نيويورك ومتحف الفنون الجميلة في بوسطن، وبالنظر إلى أن قطعا ثمينة جدا قد نهبت من المتحف العراقي فإن شانكس يرى أنها ستصل يوما ما إلى السوق السوداء. ويمكن أن يؤخذ هذا الكلام على محمل الجد لو لم يكن كاتبه هيرشل شانكس، محرر مجلة آثار الكتاب المقدس الأميركية، فهذه المجلة هي الواجهة الرئيسية في العالم خارج إسرائيل، التي تستغل الآثار الفلسطينية في دعم المقولة الزائفة بالحق التاريخي لليهود بأرض فلسطين، وهي مجلة موجهة إلى الجمهور العام، بمقالات مبسطة يكتبها آثاريون ومؤرخون من إسرائيل وخارجها. |