أخطار تهدد تراث العراق وسياحته




أخطار تهدد تراث العراق وسياحته 1_150795_1_6

تعتبر آثار العراق التاريخية ذات أهمية عظيمة للاستدلال على تراث بلاد الرافدين وحضاراته التي شهدها منذ 7000 عام، وعلى هويته الثقافية التي تشكلت مع تراكمات تلك الحضارات، وأيضا تعتبر بوابة رئيسية للتعرف على حضارات العالم القديم وما خلفته من نصوص وأنظمة وإبداعات وأساليب عيش في السلم والحرب وفي الحياة والموت.
ولقد كانت تلك الآثار ممثلة في أثمن مقتنيات المتاحف العراقية أهدافا لتداعيات وسلوكيات الحرب التي شنت على العراق في التاسع من أبريل/ نيسان 2003، سواء بشكل مقصود ومنظم أو على نحو عشوائي قام به الغوغاء تعبيرا عن حالة عايشوها وأفرزت تلك السلوكيات بعد زوالها.
لقد حلت كارثة رهيبة بالتراث والآثار والهوية التاريخية القديمة للعراق، فقد استبيحت المتاحف والمكتبات ودور المخطوطات تحت سمع وبصر قوات التحالف التي شنت الحرب على العراق، ولم يقف الأمر عند هذا الحد فقد تواردت شهادات ممن عايشوا ورأوا وتابعوا فصول هذه الكارثة الحضارية التاريخية أدانوا فيها قوات الاحتلال بالمشاركة المباشرة فضلا عن غير المباشرة، في نهب كنوز العراق الأثرية والثقافية وغضوا الطرف عن تدميرها وإحراقها.
أخطار تهدد تراث العراق وسياحته Image_portret559_4.2

إن الحديث عن كارثة الآثار العراقية المنهوبة والمدمرة يأتي في سياق الحديث عن قطاع السياحة العراقية الذي كان يعتبر قطاع الإنتاج الأهم بعد النفط العراقي على صعيد الدخل الذي يتحقق للاقتصاد الوطني، وعليه من البدهي القول إن قطاع السياحة العراقي أصيب في مقتل بعمليات النهب والتدمير والإحراق التي طالت أهم عناصر الجذب في القطاع السياحي العراقي.
ومن المسلم به أن مفكري وفلاسفة ومخططي شن الحروب يضعون في رأس قائمة أهدافهم المصالح الاقتصادية التي سيؤمنونها من خلال الحرب غير أن الصبغة التي تتلون بها صراعات مطلع القرن الحادي والعشرين تشير إلى دخول عناصر الجذور التاريخية والحضارية والعرقية والدينية كمحركات إضافية بل ربما أحيانا أساسية ولكن مختفية وراء الخطاب الإنساني أو الاقتصادي أو الأمني.
وليس من المستهجن والحالة هذه الذهاب إلى الشك في أن هنالك مصلحة لأصحاب هذه المحركات في محاولة تدمير أو محو أو طمس أجزاء من تراث العراق وأجزاء من هويته الثقافية وأجزاء من تراثه أو استخدام المنهوب منها في تحريف وتزوير أصول الحقائق التاريخية القديمة التي لا تلبي مصالح تلك الجهات المعاصرة أو مشاريعهم القادمة.
لقد جرت في العراق حملة بحث محمومة عن مخطوطة يزعم بأنها "أقدم نسخة من التلمود في العالم" ويفترض أنها كانت موجودة في مقر الاستخبارات العراقية وقامت بالبحث مجموعة من الجنود الأميركيين من "فريق ميت ألفا"، الذي كان يبحث عن أسلحة الدمار الشامل، برفقة أعضاء من المؤتمر الوطني العراقي.
ولم تعثر الفرقة إلا على كتب دينية يهودية من بينها نسخة تلمود مطبوعة في فيلنا ليتوانيا، تعود إلى القرن التاسع عشر، إلا أن التقرير الذي كتبته جوديث ميللر من الـ"نيويورك تايمز" لافت في أكثر من جانب.
ففريق ميت ألفا كان مترددا في بادئ الأمر في قبول طلب البحث عن النسخة التلمودية، تلبية لطلب أعضاء من المؤتمر الوطني العراقي، لأن مهمته تنحصر في "إثبات وجود أسلحة غير تقليدية وليس إنقاذ الكنوز الحضارية والدينية". لذا فمن المؤكد أن هناك من يقف وراء هذا الاهتمام الزائد بنسخة من التلمود حتى يقوم بالبحث عنها «فريق ميت ألفا".
وفي مقال له في الـ"وول ستريت جورنال" دعا هيرشل شانكس إلى شراء القطع المنهوبة تعبيرا عن رفضه لموقف "المؤسسة الأميركية للآثار" التي تدين بيع جميع التحف الأثرية، وحسب تعبيره فإنها تشوه بذلك سمعة هواة جمع التحف، وتنظر إلى تجار التحف كوسطاء بين اللصوص والهواة، الذين يشملون كما يقول متحف ميتروبوليتان للفنون في نيويورك ومتحف الفنون الجميلة في بوسطن، وبالنظر إلى أن قطعا ثمينة جدا قد نهبت من المتحف العراقي فإن شانكس يرى أنها ستصل يوما ما إلى السوق السوداء.
أخطار تهدد تراث العراق وسياحته Image_portret557_5.1

ولئلا يكون مصير تلك القطع هواة جمع التحف فإنه يدعو المؤسسات العامة إلى المشاركة في عملية شرائها الآن (قبل أن تصبح أسعارها باهظة جدا) حتى تستعيد القطع مكانها في مؤسسات عامة، وربما يوما ما، في المتحف العراقي. وإذا كان فيما يقوله شانكس تكريس لنهب الآثار والتحف والمتاجرة بها، فإنه لا يمانع بأن تنتهي القطع إلى مكان عام، غير مكانها الأصلي.
ويمكن أن يؤخذ هذا الكلام على محمل الجد لو لم يكن كاتبه هيرشل شانكس، محرر مجلة آثار الكتاب المقدس الأميركية، فهذه المجلة هي الواجهة الرئيسية في العالم خارج إسرائيل، التي تستغل الآثار الفلسطينية في دعم المقولة الزائفة بالحق التاريخي لليهود بأرض فلسطين، وهي مجلة موجهة إلى الجمهور العام، بمقالات مبسطة يكتبها آثاريون ومؤرخون من إسرائيل وخارجها.