بين وجع عراقي ظاهر للعيان وقلب يرتجف شغفا
عبد الجبار العتابي من بغداد:
حين يجلس الشاعر العراقي موفق محمد على أي مقعد تشعر انه مثل احد مطربي
(المقام العراقي) وتتوقع انه بعد قليل سيصدح بصوته ويرفع عقيرته ويتأوه
تأوها يلفت الانتباه اليه وينثر الشجن، وموفق محمد يمتلك صفة محببة وهي
عفويته، فلا تجده يختلق التصرفات ولا يتصنع الحديث، وهذا الشيء تجده في
شعره ايضا، فهو لن يتكلف في رسم قصائده، ولا اعتقد انه يعود الى ادخالها أي
مختبر لفحصها وتمحيصها بعد ان ينتهي من كتابتها.
عبد الجبار العتابي من بغداد:
حين يجلس الشاعر العراقي موفق محمد على أي مقعد تشعر انه مثل احد مطربي
(المقام العراقي) وتتوقع انه بعد قليل سيصدح بصوته ويرفع عقيرته ويتأوه
تأوها يلفت الانتباه اليه وينثر الشجن، وموفق محمد يمتلك صفة محببة وهي
عفويته، فلا تجده يختلق التصرفات ولا يتصنع الحديث، وهذا الشيء تجده في
شعره ايضا، فهو لن يتكلف في رسم قصائده، ولا اعتقد انه يعود الى ادخالها أي
مختبر لفحصها وتمحيصها بعد ان ينتهي من كتابتها.
موفق
محمد.. مثل الكثيرين، رفع نظره ومدّ بصره وشاهد هناااااك، المطربة
العالمية شاكيرا، اغرته بما شاهدته لكنه سرعان ما أشاح بوجهه عنها، احنى
ظهره، استل سيجارة ودسها في فمه، وبحث حوله عن شيء لكنه لم يجده في تلك
اللحظة، راحت الصور المختلفة تتراءى امام عينيه، لكنه يسمع اهتزازات، تلوح
له خطرات من القماش الملون، يرى اقدام تتحرك، ما بين خطو بطيء ثقيل، وبين
رقص يتفصد سحرا، لكن صورة شاكيرا.. تبزغ وسط طوفان من الظلام، من الضباب،
من الرياح التي تهب عشوائية، يطأطيء رأسه، يشم روائح مختلفة،وهو ما يدعو
للتساؤل: من هذه الشاكيرا التي اثارت سواكن الشاعر، أي كائن حي هي، انه
يتنفس بعمق لكن قلبه يطلق انينا يشبه صدى الناي الذي يعرف عليه راعي، وهو
ما يجعل موفق محمد يقول:
(في أول ساعات اللّيل ترُّف اللافتاتُ السود من
ندمٍ
وتصهلُ
ثم تطير أسراباً تحمحم في الفضاء
تنفضُ ما تبقى من أسماء
قتلانا
فيغرق المدى بالشهداء
وعيون أمهاتنا
وتفوح في الأزقة رائحة
الخوفِ
الأبواب تعضُّ مزاليجها
والضيمُ يفتُّ مرارةَ أمي
ويشربُ قهوتها
ولا صوت غير نحيب أخرس
يولول في الصدور
ويندلق لاهثاً في الأزقةِ
وأيادٍ تشيرُ
إلى رؤوس تطيرُ
يا إلهي.. ولأنهم يقتلون بقلبٍ باردٍ
يلبسُ الموتُ معطفه
ويغطّي النجومَ التي تلمع فوق
كتفيه
خوفاً من قناصٍ يتنشق رائحته
ويلملم أرواح الأطفال التي
ترفرفُ محروقةً فوق جثثهم
يتلفت مذعوراً
ويفلتُ غارقاً بالدماء
إلى أينَ يا سيدي؟
إنهم يرقصون الجوبي
وفي أيديهم رؤوسُ أطفالنا
والبلدُ يسيل بالأرامل
واليتامى).
هذا
المقطع الاول من قصيدة شاكيرا، لا علاقة له بشاكيرا الا مما يعتلج في داخل
الشاعر من رؤى ومن تخيلات ومن ترجيعات، داخله المحترق الممزق الحزين المترع
بالخوف، الذي اراد أن يستهل النظر الى شاكيرا بوجع عراقي خالص فلا يراها
الا بالمقارنة بين حالين يشعر ان النواح قدره وان الشجن ساحته، ثم يتحرك من
مقعده ليقف امام الافق الواسع، يخرج من لحظات الواقع المدلهم الضاج
بالحرائق والرؤوس التي تطير، ويرسم تخيلاته على تلك الصفحات التي تتراءى له
عليها شاكيرا بلحمها وشحمها وبكامل اهتزاتها التي تندلق بأشكال عجائبية،
وصوتها الذي نبراته تجعل الدم يركض في عروق دمه سريعا، انه يغمض عينيه
احيانا، ليشعر بالتدفق يفيض على كل مساحات جسمه، فلم يجد امام تلك الصور
الا ا ن يهدأ، يحاول ان يعطي نفسه قدرا مميزا من الهدوء ليتحدث بهدوء، لكنه
لم يصبر كثيرا فيما بعد، فيبدأ تسريب الحيرة الى ذاته وهو يعتمر التساؤلات
التي تفيض بشكل عفوي لكن من قريحة شاعر رومانسي يجد نفسه تبذل الكثير من
اجل الجمال وتتوق الى احتضان الغمام ليمطر دهشة:
(أتسحبينَ البحارَ بإشارة
من قدميك..؟
أمن لثغة في شفتيك
تعلمت الطيورُ تسبيحها
وكيف ترقصين فوق الموج
الذي يتلوى تحتك
وأخافُ أن تكون الأسئلةُ
محمد.. مثل الكثيرين، رفع نظره ومدّ بصره وشاهد هناااااك، المطربة
العالمية شاكيرا، اغرته بما شاهدته لكنه سرعان ما أشاح بوجهه عنها، احنى
ظهره، استل سيجارة ودسها في فمه، وبحث حوله عن شيء لكنه لم يجده في تلك
اللحظة، راحت الصور المختلفة تتراءى امام عينيه، لكنه يسمع اهتزازات، تلوح
له خطرات من القماش الملون، يرى اقدام تتحرك، ما بين خطو بطيء ثقيل، وبين
رقص يتفصد سحرا، لكن صورة شاكيرا.. تبزغ وسط طوفان من الظلام، من الضباب،
من الرياح التي تهب عشوائية، يطأطيء رأسه، يشم روائح مختلفة،وهو ما يدعو
للتساؤل: من هذه الشاكيرا التي اثارت سواكن الشاعر، أي كائن حي هي، انه
يتنفس بعمق لكن قلبه يطلق انينا يشبه صدى الناي الذي يعرف عليه راعي، وهو
ما يجعل موفق محمد يقول:
(في أول ساعات اللّيل ترُّف اللافتاتُ السود من
ندمٍ
وتصهلُ
ثم تطير أسراباً تحمحم في الفضاء
تنفضُ ما تبقى من أسماء
قتلانا
فيغرق المدى بالشهداء
وعيون أمهاتنا
وتفوح في الأزقة رائحة
الخوفِ
الأبواب تعضُّ مزاليجها
والضيمُ يفتُّ مرارةَ أمي
ويشربُ قهوتها
ولا صوت غير نحيب أخرس
يولول في الصدور
ويندلق لاهثاً في الأزقةِ
وأيادٍ تشيرُ
إلى رؤوس تطيرُ
يا إلهي.. ولأنهم يقتلون بقلبٍ باردٍ
يلبسُ الموتُ معطفه
ويغطّي النجومَ التي تلمع فوق
كتفيه
خوفاً من قناصٍ يتنشق رائحته
ويلملم أرواح الأطفال التي
ترفرفُ محروقةً فوق جثثهم
يتلفت مذعوراً
ويفلتُ غارقاً بالدماء
إلى أينَ يا سيدي؟
إنهم يرقصون الجوبي
وفي أيديهم رؤوسُ أطفالنا
والبلدُ يسيل بالأرامل
واليتامى).
هذا
المقطع الاول من قصيدة شاكيرا، لا علاقة له بشاكيرا الا مما يعتلج في داخل
الشاعر من رؤى ومن تخيلات ومن ترجيعات، داخله المحترق الممزق الحزين المترع
بالخوف، الذي اراد أن يستهل النظر الى شاكيرا بوجع عراقي خالص فلا يراها
الا بالمقارنة بين حالين يشعر ان النواح قدره وان الشجن ساحته، ثم يتحرك من
مقعده ليقف امام الافق الواسع، يخرج من لحظات الواقع المدلهم الضاج
بالحرائق والرؤوس التي تطير، ويرسم تخيلاته على تلك الصفحات التي تتراءى له
عليها شاكيرا بلحمها وشحمها وبكامل اهتزاتها التي تندلق بأشكال عجائبية،
وصوتها الذي نبراته تجعل الدم يركض في عروق دمه سريعا، انه يغمض عينيه
احيانا، ليشعر بالتدفق يفيض على كل مساحات جسمه، فلم يجد امام تلك الصور
الا ا ن يهدأ، يحاول ان يعطي نفسه قدرا مميزا من الهدوء ليتحدث بهدوء، لكنه
لم يصبر كثيرا فيما بعد، فيبدأ تسريب الحيرة الى ذاته وهو يعتمر التساؤلات
التي تفيض بشكل عفوي لكن من قريحة شاعر رومانسي يجد نفسه تبذل الكثير من
اجل الجمال وتتوق الى احتضان الغمام ليمطر دهشة:
(أتسحبينَ البحارَ بإشارة
من قدميك..؟
أمن لثغة في شفتيك
تعلمت الطيورُ تسبيحها
وكيف ترقصين فوق الموج
الذي يتلوى تحتك
وأخافُ أن تكون الأسئلةُ
صعبةً يا شاكيرا
والسماء تصغي بكل ملائكتها
إلى صوتك
فتذرف نجومها فوق جسدك
اللابط بالنور والراقص
بآلاف السنابل
فتزدادين نوراً ومحبةً
وتضيقُ الغابةُ بجسدك
فتطيرين بآلاف البلابل
التي تغرِّدُ في شفتيكِ)..............!!!
هنا..
يمضي الشاعر في تحريك خيالاته لترتفع هائمة في مدارات الهوى، لا ينفك
يستنطق التوصيف ويرسم في حالات تشبه الغياب عن الوعي، يرتشف كؤوسا من خيال
ومن اختلاجات يسكر بها، فيستحضر الشمول فيصرخ: (يا من لعبت به الشمول) لكنه
من منطلق فكره المنشغل بشاكيرا، المستعر بمظاهر ما هي عليه، المرفرف
بجناحي دهشة واعجاب، فتراه بنحو لا ارادي يتلاعب بالكلمات، من نشوته
الصاعدة اميالا تحسه يقفز بسعادته التي استقاها من نشاطه الذهني المهتم
بشاكيرا، فيبدل الكلمات لتصبح شاكيرا بدل الشمول، كأجمل (تحشيشة):
والسماء تصغي بكل ملائكتها
إلى صوتك
فتذرف نجومها فوق جسدك
اللابط بالنور والراقص
بآلاف السنابل
فتزدادين نوراً ومحبةً
وتضيقُ الغابةُ بجسدك
فتطيرين بآلاف البلابل
التي تغرِّدُ في شفتيكِ)..............!!!
هنا..
يمضي الشاعر في تحريك خيالاته لترتفع هائمة في مدارات الهوى، لا ينفك
يستنطق التوصيف ويرسم في حالات تشبه الغياب عن الوعي، يرتشف كؤوسا من خيال
ومن اختلاجات يسكر بها، فيستحضر الشمول فيصرخ: (يا من لعبت به الشمول) لكنه
من منطلق فكره المنشغل بشاكيرا، المستعر بمظاهر ما هي عليه، المرفرف
بجناحي دهشة واعجاب، فتراه بنحو لا ارادي يتلاعب بالكلمات، من نشوته
الصاعدة اميالا تحسه يقفز بسعادته التي استقاها من نشاطه الذهني المهتم
بشاكيرا، فيبدل الكلمات لتصبح شاكيرا بدل الشمول، كأجمل (تحشيشة):
(يا من لعبت به شكيرا
ما ألطف هذه الشكائر ).
وحين
ينتهي من الغناء وتحلق حمامات وجده في فضاء التماهي، يجد ان نفسه التواقة
لم تشبع من هذا التغيير التشبيهي، فأنه يرفع صوته مغنيا باللهجة العامية
احدى (الابوذيات) التي هي من ابتكاره، ويخاطبها برقة بابلية وبجرأة وبكل ما
في الصدر من حرقة، ويحاول الوصول بالتعبير عن ما يسبح في روحه من حيتان،
لكنه يصر على ان يكون هادئا ويرتشف شيئا من عصارة اشتهاءاته فيقول بلهفة
وحميمية وتمني:
(( ماكنتوش شفتج لو عسل غافي
وأنه من الهزِ أذوب وطاحت إجتافي
تعالي انطيني بوسه ونشرب الصافي
وخل كل الدول تزعل عليه )).
ما ألطف هذه الشكائر ).
وحين
ينتهي من الغناء وتحلق حمامات وجده في فضاء التماهي، يجد ان نفسه التواقة
لم تشبع من هذا التغيير التشبيهي، فأنه يرفع صوته مغنيا باللهجة العامية
احدى (الابوذيات) التي هي من ابتكاره، ويخاطبها برقة بابلية وبجرأة وبكل ما
في الصدر من حرقة، ويحاول الوصول بالتعبير عن ما يسبح في روحه من حيتان،
لكنه يصر على ان يكون هادئا ويرتشف شيئا من عصارة اشتهاءاته فيقول بلهفة
وحميمية وتمني:
(( ماكنتوش شفتج لو عسل غافي
وأنه من الهزِ أذوب وطاحت إجتافي
تعالي انطيني بوسه ونشرب الصافي
وخل كل الدول تزعل عليه )).
موفق
محمد.. بعد ان يطلق صوته ولا يسمع منه صدى، ينتبه الى المكان الذي يقف
عليه، يطلق نظراته في ما حوله ثم تهب عليه اسراب من الاخبار التي تتناول
الوضع العراقي، فيتأمل ما يسمع، الصور تباغته على الهواء مباشرة، ولا يسعه
الا ان يغمض عينيه، يشعر بالوجع تارة، وتارة يحاول ان يشعر ببعض الاستمتاع
بالنظر الى ذلك الجسد الذي يراه عبارة عن موجة راقصة، يحاول ان يخلد الى
لحظات من الشرود تمتد الى المقارنة بين واقع يعيشه وبين خيال يتصوره، فتشعر
انه يغضب لكن عصارة غضبه تهدأ برشات من رذاذ اسمه شاكيرا، فتراه يقول
مازجا بين حالين، الاول:
(من نافذةٍ في منتصف اللّيل
وعلى غفلةٍ من الآلهة المتهارشين
على الكراسي
تاركين الوطن كعصف مأكولٍ
في مهب الخرافة التي لا تبقي
ولا تذرُ
أرى السماءَ بارقةً راعدةً
متفصدةَ الجبينِ
محفوفةً بالملائكة والغيوم
والسنابل والبلابل وهي تقتربُ
من الأرض لتلدَ موجةً راقصةً
اسمها.. شاكيرا
الغيوم عمّدَتْ مهدها
والملائكة تركت لها أجنحتها
وهذا البياضَ كلّه قائلة:
يا شاكيرا
طرزي جسدك بحبات
السنابل
وارضعي حليب البلابل
وقرّي رقصاً
فتقف ُ مثل شجرةٍ تمورُ
بالضوء وبالعنبر
وتصدحُ بالنايات
وترقص بآلاف الأغصانِ
التي تصلُّ العصافير في
ثمارها
فتشتعل الأنهارُ عسلاً
وتمتلئُ البيادرُ ذهباً).
يتوقف..
موفق محمد عن الغناء ويرفع يديه من الانهار التي تشتعل عسلا بدون اية قطرة
تعلق فيها، ويشيح بوجهه عن البيادر التي تمتليء ذهبا، وقد نفض بريقها من
نظراته، ينزل رأسه وتكفهر نفسه ويكاد البكاء يحيطه من كل جانب، يغمض عينيه
فتهب عليه رياح الواقع، يشعر بالعرق يتصبب من مسامات جسده الفاغرة افواهها
الصارخة من وجع الحرارة، يتأمل.. فتنهمر من عينيه قطرات لايعرف اذا ما كانت
دما او دمعا، يشعرها تنزل على خارطة العراق والوانها التي تبرق امامه وهو
يتطلع الى دجلة والفرات وبغداد والعذابات التي ترقد على الصدور والتي
تتزامن مع لمعان الات الذبح:
******
( لا أحد يعرفُ أحداً
في هذا الفرن الذي نصطلي
به جميعاً
شعباً وأحزاباً
لأننا حين خرجنا من العالم
السفلي عشاةً لاهين..
لم نضع الوطن نصبَ أعيننا
فالغنيمةُ تتعرى
والنفسُ أمارّةٌ
والعقلُ شاردٌ
فلم نعد نرى
وأنّى لنا أن نرى؟
فلقد أتعبتم أللهَ والبلاد
والعبادَ..
وأنتم تعبدون إلهاً آخراً
إلهاً مفخخاً يقيم فردوسه
في الكهوف والخرائبِ
وجحيمَه في المساجد والكنائس
والمدارس والحدائق
ليرسل الأجسادَ المتفحمةَ
إلى جهنم خوف أن تنضب نارها
إلهاً لا حول له ولا قوةَ فيما
تقتلون وتسرقون وتحللّون
وتحرمون
إلهاً يذبح الفرات من منبعه الى مصبه
ويفخخ دجلة بالرؤوس المقطوعة
وبغداد مصلخٌ كبير
يأتي القصابون إليها من
كل حدب وصوبٍ
وكل يذبحُ على طريقته الإسلامية
ويمضي أميراً طليقا ).
لا
يعرف الشاعر كيف يسترسل في عذاباته التي لا يجد منها بدا، ولأنه يريد ان
يبعد رأسه من التفكير في الواقع ويمنع عينيه من النظر الى المساءات
المحترقة بالظلام، فأنه مثل ساحر يرمي شغفه لتظهر شاكيرا ملهمته او
(مدوخته) او حافظته من اوجاع الرهبة، فيحاول ان يزيل ظلامات الحاضر بأقباس
منها وهو تتنوع في ظهورها فيراها امامه فيخاطبها برقة ويحنو عليها ويواصل
في الحديث عنها ورسمها في لقطات عديدة كرسام فنان وتحفل اللقطات بمديح وغزل
عال، يستوقف القاريء كثيرا:
(أنتِ تختصرين اللّيلَ كله
وجهك القمرُ والبرق
وثوبك السماء راعدةً بكل
نجومها
والظلمة تفورُ من قدميك
فينيرها اللّهب المتوهجُ
في خصرك
فترتد إلى قدميك الحافيتين
نوراً..
وسرعان ما تشرقين
فيطلُ الفجر من عينيك
مبللاً بالندى
ومن منحدر نهديك
تصعد الشمسُ متثائبةً
لتبتسم في صدرك
ويتماوجُ الأحمرُ والأخضرُ
والأصفرُ والأبيضُ في صوتك
وفي جسدك المطيبِ بماء
الشمس ونثيثِ القمر وهمس
الغيوم
ليلمَ لك كلَّ هذه الفراشات
التي ترتدينها ثياباً
فما أجمل رفيفها
وما أجمله تحت أجنحتِها
والسنابلُ تفيضُ من قدميك
وعندما تصدحينَ
ترقص الحقول ناثرةً
جدائلها
فتمتلئ السماء طيوراً
ويسيل البنفسجُ صاقيا
من نجومها)
******
لصوتك رائحةُ خبز أمي
الخارج تواً من تنورها ولجسدك
لونُه فهو يتعشق في لهبه
ويتنشق من جمرٍ معتق فيه
فتطيرُ الأرغفةُ ملمعةً بأجنحتها
إلى بيوت الفقراء
وأطيرُ بأجنحة اليمام
يا سلام
فأرى يداً من نورٍ تمسحُ
الظلمةَ عن جبيني
وأرى أمي تسيسُ ضيمها *
في شط الحلة
وتوقدُ الشموع بدموعها
******
تقدمي أيتها اللبوةُ
فالغيوم تضرب بابك
بمناقيرها لترضع من
حليبك
أريها الأنوار البكرَ التي
تزأر في جسدك
الذي يختصرُ القارة كلّها
لتهطل عليها حليباً مدراراً
فينمو العشبُ من صوتك
ويهدر نهر الحمام الذي ينبعُ
من ظلك فنسري على براق
من جناح الحمام
*******
أنّى لك هذا الجسدُ الأفعى؟
وأنت تطوّحين به
وهو يتلوى طوع بنانك
فيوحد الغابة كلّها
وتهتز طرباً حين تسمعُ
صوتك
فيغسلها بالنور
ويمنحها الدفءَ
ويملؤها رحمة وأمانا
********
شاكيرا..
بهذا الاسم يدعو الطير
أنثاه
والوردةُ عطرَها
والأمُ وليدَها
والنهرُ أمواجَه
والأشجارُ ثمارها
والفقراء المنكوبون وهم
يتقاسمون رحمتك
مسكيناً ويتيماً واسيرا
فشكرا يا شاكيرا
فأنت الأسد والغابة
وخصرك يهدر باللّغات كلها
والخمرة تبرق في قدميك
فتفور الغيوم بحليب السباع *
وتمطر
وأشرب
أشرب
وأراني غافياً تحت شجرة شاكيرا
بعيداً عن الجبابرة المتهارشين
والعراق بشعبه وسمائه
يهرس تحت اظلافهم.. وهم ينظرون اليه
( من وره إخشومهم
والتوابيت اندلت الدرب )
فهي تسير وحيدة الى قبورها
لكن
موفق محمد الذي كثيرا ما يشرب من مطر الغيوم الذي هو الخمر، ويكاد الرائي
يتوقع انه سوف لن يصحو على وقع تلك الايقاعات التي تؤديها شاكيرا، فلا يجد
مناص من ان يحلق في اجواء تنسيه كل ما في الواقع، لكنه.. يصحو بقوة ويرى
ويستذكر حتى وان ابقى نفسه تحت ظلال شجرة شاكيرا الوارفة الظلال، وان اعلن
انه غفا، لان عذاباته التي مترسبة في اعماقه تنز (قهرا) وبكاء لا يحسه
سواه.
محمد.. بعد ان يطلق صوته ولا يسمع منه صدى، ينتبه الى المكان الذي يقف
عليه، يطلق نظراته في ما حوله ثم تهب عليه اسراب من الاخبار التي تتناول
الوضع العراقي، فيتأمل ما يسمع، الصور تباغته على الهواء مباشرة، ولا يسعه
الا ان يغمض عينيه، يشعر بالوجع تارة، وتارة يحاول ان يشعر ببعض الاستمتاع
بالنظر الى ذلك الجسد الذي يراه عبارة عن موجة راقصة، يحاول ان يخلد الى
لحظات من الشرود تمتد الى المقارنة بين واقع يعيشه وبين خيال يتصوره، فتشعر
انه يغضب لكن عصارة غضبه تهدأ برشات من رذاذ اسمه شاكيرا، فتراه يقول
مازجا بين حالين، الاول:
(من نافذةٍ في منتصف اللّيل
وعلى غفلةٍ من الآلهة المتهارشين
على الكراسي
تاركين الوطن كعصف مأكولٍ
في مهب الخرافة التي لا تبقي
ولا تذرُ
أرى السماءَ بارقةً راعدةً
متفصدةَ الجبينِ
محفوفةً بالملائكة والغيوم
والسنابل والبلابل وهي تقتربُ
من الأرض لتلدَ موجةً راقصةً
اسمها.. شاكيرا
الغيوم عمّدَتْ مهدها
والملائكة تركت لها أجنحتها
وهذا البياضَ كلّه قائلة:
يا شاكيرا
طرزي جسدك بحبات
السنابل
وارضعي حليب البلابل
وقرّي رقصاً
فتقف ُ مثل شجرةٍ تمورُ
بالضوء وبالعنبر
وتصدحُ بالنايات
وترقص بآلاف الأغصانِ
التي تصلُّ العصافير في
ثمارها
فتشتعل الأنهارُ عسلاً
وتمتلئُ البيادرُ ذهباً).
يتوقف..
موفق محمد عن الغناء ويرفع يديه من الانهار التي تشتعل عسلا بدون اية قطرة
تعلق فيها، ويشيح بوجهه عن البيادر التي تمتليء ذهبا، وقد نفض بريقها من
نظراته، ينزل رأسه وتكفهر نفسه ويكاد البكاء يحيطه من كل جانب، يغمض عينيه
فتهب عليه رياح الواقع، يشعر بالعرق يتصبب من مسامات جسده الفاغرة افواهها
الصارخة من وجع الحرارة، يتأمل.. فتنهمر من عينيه قطرات لايعرف اذا ما كانت
دما او دمعا، يشعرها تنزل على خارطة العراق والوانها التي تبرق امامه وهو
يتطلع الى دجلة والفرات وبغداد والعذابات التي ترقد على الصدور والتي
تتزامن مع لمعان الات الذبح:
******
( لا أحد يعرفُ أحداً
في هذا الفرن الذي نصطلي
به جميعاً
شعباً وأحزاباً
لأننا حين خرجنا من العالم
السفلي عشاةً لاهين..
لم نضع الوطن نصبَ أعيننا
فالغنيمةُ تتعرى
والنفسُ أمارّةٌ
والعقلُ شاردٌ
فلم نعد نرى
وأنّى لنا أن نرى؟
فلقد أتعبتم أللهَ والبلاد
والعبادَ..
وأنتم تعبدون إلهاً آخراً
إلهاً مفخخاً يقيم فردوسه
في الكهوف والخرائبِ
وجحيمَه في المساجد والكنائس
والمدارس والحدائق
ليرسل الأجسادَ المتفحمةَ
إلى جهنم خوف أن تنضب نارها
إلهاً لا حول له ولا قوةَ فيما
تقتلون وتسرقون وتحللّون
وتحرمون
إلهاً يذبح الفرات من منبعه الى مصبه
ويفخخ دجلة بالرؤوس المقطوعة
وبغداد مصلخٌ كبير
يأتي القصابون إليها من
كل حدب وصوبٍ
وكل يذبحُ على طريقته الإسلامية
ويمضي أميراً طليقا ).
لا
يعرف الشاعر كيف يسترسل في عذاباته التي لا يجد منها بدا، ولأنه يريد ان
يبعد رأسه من التفكير في الواقع ويمنع عينيه من النظر الى المساءات
المحترقة بالظلام، فأنه مثل ساحر يرمي شغفه لتظهر شاكيرا ملهمته او
(مدوخته) او حافظته من اوجاع الرهبة، فيحاول ان يزيل ظلامات الحاضر بأقباس
منها وهو تتنوع في ظهورها فيراها امامه فيخاطبها برقة ويحنو عليها ويواصل
في الحديث عنها ورسمها في لقطات عديدة كرسام فنان وتحفل اللقطات بمديح وغزل
عال، يستوقف القاريء كثيرا:
(أنتِ تختصرين اللّيلَ كله
وجهك القمرُ والبرق
وثوبك السماء راعدةً بكل
نجومها
والظلمة تفورُ من قدميك
فينيرها اللّهب المتوهجُ
في خصرك
فترتد إلى قدميك الحافيتين
نوراً..
وسرعان ما تشرقين
فيطلُ الفجر من عينيك
مبللاً بالندى
ومن منحدر نهديك
تصعد الشمسُ متثائبةً
لتبتسم في صدرك
ويتماوجُ الأحمرُ والأخضرُ
والأصفرُ والأبيضُ في صوتك
وفي جسدك المطيبِ بماء
الشمس ونثيثِ القمر وهمس
الغيوم
ليلمَ لك كلَّ هذه الفراشات
التي ترتدينها ثياباً
فما أجمل رفيفها
وما أجمله تحت أجنحتِها
والسنابلُ تفيضُ من قدميك
وعندما تصدحينَ
ترقص الحقول ناثرةً
جدائلها
فتمتلئ السماء طيوراً
ويسيل البنفسجُ صاقيا
من نجومها)
******
لصوتك رائحةُ خبز أمي
الخارج تواً من تنورها ولجسدك
لونُه فهو يتعشق في لهبه
ويتنشق من جمرٍ معتق فيه
فتطيرُ الأرغفةُ ملمعةً بأجنحتها
إلى بيوت الفقراء
وأطيرُ بأجنحة اليمام
يا سلام
فأرى يداً من نورٍ تمسحُ
الظلمةَ عن جبيني
وأرى أمي تسيسُ ضيمها *
في شط الحلة
وتوقدُ الشموع بدموعها
******
تقدمي أيتها اللبوةُ
فالغيوم تضرب بابك
بمناقيرها لترضع من
حليبك
أريها الأنوار البكرَ التي
تزأر في جسدك
الذي يختصرُ القارة كلّها
لتهطل عليها حليباً مدراراً
فينمو العشبُ من صوتك
ويهدر نهر الحمام الذي ينبعُ
من ظلك فنسري على براق
من جناح الحمام
*******
أنّى لك هذا الجسدُ الأفعى؟
وأنت تطوّحين به
وهو يتلوى طوع بنانك
فيوحد الغابة كلّها
وتهتز طرباً حين تسمعُ
صوتك
فيغسلها بالنور
ويمنحها الدفءَ
ويملؤها رحمة وأمانا
********
شاكيرا..
بهذا الاسم يدعو الطير
أنثاه
والوردةُ عطرَها
والأمُ وليدَها
والنهرُ أمواجَه
والأشجارُ ثمارها
والفقراء المنكوبون وهم
يتقاسمون رحمتك
مسكيناً ويتيماً واسيرا
فشكرا يا شاكيرا
فأنت الأسد والغابة
وخصرك يهدر باللّغات كلها
والخمرة تبرق في قدميك
فتفور الغيوم بحليب السباع *
وتمطر
وأشرب
أشرب
وأراني غافياً تحت شجرة شاكيرا
بعيداً عن الجبابرة المتهارشين
والعراق بشعبه وسمائه
يهرس تحت اظلافهم.. وهم ينظرون اليه
( من وره إخشومهم
والتوابيت اندلت الدرب )
فهي تسير وحيدة الى قبورها
لكن
موفق محمد الذي كثيرا ما يشرب من مطر الغيوم الذي هو الخمر، ويكاد الرائي
يتوقع انه سوف لن يصحو على وقع تلك الايقاعات التي تؤديها شاكيرا، فلا يجد
مناص من ان يحلق في اجواء تنسيه كل ما في الواقع، لكنه.. يصحو بقوة ويرى
ويستذكر حتى وان ابقى نفسه تحت ظلال شجرة شاكيرا الوارفة الظلال، وان اعلن
انه غفا، لان عذاباته التي مترسبة في اعماقه تنز (قهرا) وبكاء لا يحسه
سواه.