أشّر الوائلي إلى عبد السلام عارف وخاطبه :
لاتطربن لطبلها فطبولها كانت لغيرك قبل ذلك تقرع !
• مثلما جعل منبره الخطابي ضد المغالين والصائدين في الماء العكر صار شعره كذلك
• أنزلوه من المنبر وهو يقرأ وكأنه لا يراهم
• عربي الهوى في الشعر وفي السياسة
قال في بغداد : (يطغى النعيم بجانب وبجانب يطغى الشقا فمرفّه ومضيّع) .. فماذا سيقول الآن ؟
وضد الطائفية : وغدت تصنفنا يد مسمومة متسنن هذا وذا متشيع
ياقلب ياقلب يا ابن الخافقين الا
تكف عن صبوات السمع والبصر
كانت للوائلي حصانة في مدينته النجف، لكونها تضم المرجعية الدينية القوية التي ينتمي اليها ويمثل بعض طلائع نهضتها،ولاعتبارات عائلية واجتماعية تتميز بها مدينة النجف التي حملت سمة المعارضة لجميع الحكومات السابقة واللاحقة،بما يكون لهذا كله اثره في اقدامه وعدم تورعه في مهاجمة السلطة، لكن الوائلي الذكي استغل هذه الظروف مع الضعف البين في الحكومة،وبلغت به الجرأة والاستبسال ان يقف وقفة مشهورة فينتقد السلطة في مركزها وامام اركانها وازلامها،عندما شارك في مهرجان الشعرالعربي الذي اقيم في قاعة جامع براثا بمشاركة نخبة كبيرة من المع الشعراء العراقيين والعرب وبحضور رئيس الجمهورية انذاك الرئيس عبد السلام محمد عارف، ونقلت تلفزيونياً مباشرة. وتنفيذاً لتقاليد المشاركة في مثل هذه الملتقيات تسلم الوائلي قصيدته المفحوصة للمشاركة ووضعها في جيبه واخرج من جيبه الاخر لفافة تحمل قصيدة اخرى، هي (رسالة الشعر) ضاربا بعرض الحائط لجنة وراعي المهرجان، وبدأ يلقي قصيدته العينية التي خص بمقاطع منها بغداد عاصمة الاسلام ودار السلام،كانت في الحقيقة بلسماً يسكن عليه جرح العراقيين حينما خاطب من خلالها كل الطغاة الذين تناوبوا على حكم هذه المدينة (العاصمة) الخالدة بأغطية مهلهلة باسم الاسلام تارة،وباسم العروبة اخرى، ليقول إن صور الجور والظلم والجوع والفقر ونهب الحقوق ما زالت ترتسم في جانب وصور نقيضة اخرى في جانب اخر من حياة تأسيس بغداد،وحتى اليوم:
بغداد يومك لا يزال كأمسه
صور على طرفي نقيض تجمع
يطغى النعيم بجانب وبجانب
يطغى الشقا فمرفه ومضيع
في القصر اغنية على شفة الهوى
والكوخ دمع في المحاجر يلذع
ومن الطوى جنب البيادر صرع
وبجنب زق ابي نؤاس صرّع
ويد تكبًل وهي مما يفتدى
ويد تقبّل وهي مما يقطع
وبراءة بيد الطغاة مهانة
ودناءة بيد المبرر توضع
(وبلع رئيس الدولة تلك المخالفة على مضض لأن البث التلفزيوني مباشر،وكل حركة محسوبة على رئيس دولة يريد ان تصدق الناس سعيه بلم الشمل والاستماع الى هموم شعبه من كلام الشعراء،فكانت ابيات القصيدة الوائلية سهاماً حادة النصول تقطع اوصال ذلك الرجل المهاب الجالس بين اتباعه،وقد فقد رصانته،فراح يلتفت ،وقد انتفخت اوداجه وتغيرت ملامح وجهه لا يدري ما يفعل ،فهو امام الكاميرا يواجه الناس).
وجد الوائلي صعوبة في اتمام القاء قصيدته،بسبب الإلحاح بطلب الاعادة لأبياتها من قبل الجمهور الغفير الذي اكتظت به قاعة المهرجان وهو يردد بصوت جهوري:
المجد يحتقر الجبان لأنه
شرب الصدى وعلى يديه المنبع
او قوله
ومشت تصنفنا يد مسمومة
متسنن هذا وذا متشيع
كانت لحظات مبهمة وصوت الوائلي يشق السكون الى ان جاءت اللحظة التي ذر بها الوائلي الملح على الجرح بتوجيه سبابته الى الرئيس عارف مصحوبة ببيت لاذع قلب ميزان وقار الرجل فكأنه جرده من ثيابه:
لا تطربن لطبلها فطبولها
كانت لغيرك قبل ذلك تقرع
هنا ظهر كل ما استبطن ، وغلب الطبع على التطبع، فقد انطلق الزبانية بامر سيدهم يرتقون السلالم من الجانبين والشيخ ما زال يقرأ على المنصة ،فهذا سحبه من اليمين،وذاك جاءه من الشمال،وآخر جذب عباءته ،وهو كأنه لا يراهم وما كان هناك ملجأ للتغطية الا قطع البث. وانتشر خبر اعتقال الوائلي وجماعته بسرعة بين الناس،فخرجت اعداد غفيرة من المتظاهرين تطالب باطلاق سراح الجميع وعمت الفوضى ، ولم يكن من الامر بد الا الامتثال لارادة المتظاهرين واطلاق سراح الوائلي وجماعته في النهار نفسه.
الهم القومي في شعر الوائلي
كان الوائلي عربي الهوى والتوجه، وكثيراً ما كان يدلي بذلك سواءً من خلال منهجه في طرحه للقضية الحسينية بروح الباحث المدقق عن تبرئة العرب الاقحاح من دم الامام الحسين وآل بيته الاطهار ومناصريه عليهم السلام، فكان كثيراً ما يصف قاتليهم بالدهماء او الغوغاء او الادعياء او الحاقدين،مبتعداً عن مقولات بعض الغلاة الذين ارادوا ان يكرسوا من على المنبر الحسيني مقولات (اللهم العن امة قتلت ابن بنت نبيك)او(لعن الله امة قتلتك) وغيرها من اشارات الغمز واللمز التي تحاول ان تلقي الفعل الضال بالعرب، وهو واحد من الشعراء الذين وظفوا شعرهم لخدمة دينهم وامتهم ذابين عن تراث الامة وترابها وقيمها راجين لها ان تعيش سليمة من الدنس ،بعيدة عن الاستغلال والسيطرة الاجنبية.
اسرت ناظري فلن يستردا
خطرات على الفرات المفدى
الجلال المهيب في المتن نحلا
والجمال الانيق في الجرف وردا
ويضيف في قصيدته:
ياضفاف الفرات كم فيك غيل
مار ينشي من المواليد اسدا
والمغاوير الحمر يوما وسيفا
والمصاليت السمر وجهاً وزندا
عرفتهم ملاحم المجد سيفا
يعربيا يأبى مدى الدهر غمدا
يعلكون الرصاص في الحرب قوتا
ويعبون من دم السخر وردا
ويختم قصيدته بهذه الابيات:
يامجالي الفرات شكرا فقد أو
حيت لي مارددته لك حمدا
انا سجلت بعض الائك الغر
ولم استطع لفضلك غمدا
عربي الهوى
ومثلما تربى الوائلي على مبادئ الدين الاسلامي الحنيف،فانه تاثر بالدعوة للوحدة العربية التي شهدت ازدهارها بين الشباب العربي وبعض الشباب النجفيين منهم،ومن بينهم المرحوم احمد الجزائري الذي امن بالوحدة العربية ايماناً كبيراً لم تستطع اساليب البطش التي واجهها ومنها النفي والاعتقال والترهيب ان تنال من ايمانه بها وقد ابلى بلاءً حسناً في مواجهتها حتى قضى شهيداً في سبيلها ،فانشده الوائلي يقول:
ايها ( اليعربي) حين غزا الاجيال
زيف الدخيل والتغريب
حمل العرب بين جبينه روحاً
ورجاءً بقلبه لا يخيب
ودعا العاقلين للوحدة الكبرى
ينادي برهطه ويهيب
وتغنى بمجد سورية العرب
سواء شمالها والجنوب
ذاب في اهلها جميعاً هلال
من وراء انتمائهم ام صليب
قارع الاستعمار شخصاً وفكراً
فهو في ذلك القوي الحسيب
ويزخر نتاج الوائلي الشعري بالعديد من القصائد الرائعة التي يتغنى من خلالها بماضي الامة العربية المجيد،وكيف استطاعت ان تكون مناراً لشعوب الانسانية جمعاء،يوم فتحت طلائع الامة افاق الدنيا وسادت اركان الارض حاملة رسالة التوحيد والحضارة والانسانية وقد خاطبها في قصيدة (من وحي النكبة)التي نظمها عام1967:
امتي ارست الخطوب السود
فاقرعيها ولا يلن لك عود
وطلب الوائلي من الامة مقارعة الخطوب والانتشاء بكأس اللظى…وكان يطالب ابناءها من خلالها بأن تحقق احدى الحسنيين ،اما وجود الغناء واما الممات…ويتميز مخاطباً الامة،مذكراً اياها بالفتوح التي حققتها،واقتراعها الصعاب والمحن فيقول:
امتي واسألي النجوم اما كنا
اباة غير النجوم يزود
وزرعنا الفتوح في كل فج
فلنا فوق كل ارض شهود
فلسطين
واتجه الوائلي لمعالجة قضية العرب الاولى ،قضية فلسطين اتجاها عربيا اسلامياً وتناولها في اكثر من مناسبة وكتب فيها اكثر من قصيدة ، وحاول بذلك تصوير المأساة للعرب وللمسلمين كمشكلة لايمكن حلها الا عن طريقهم، بتضافر جهودهم ، وبالوقوف صفاً واحداً الى جنب الشعب الفلسطيني الجريح ،عارضاً مشاهد وصوراً وظلالاً من مآسي اللاجئين،وطيوف النازحين،وله في التعبير عن ذلك قصيدتان.(حديث فلسطين)التي نظمها عام1967،عقب نكسة الخامس من حزيران، وهي في ثمانين بيتاً،جاء في مقدمتها:
فلسطين ما بخل المنفق
ولا وهن الكتف المرهق
ولا مات بالعزمات اللهيب
ولا اظلم الامل المشرق
ولابرح الساح احلامه
تهدهدها الضمر السبق
اما قصيدته الثانية فعنوانها ( أقي ) نظمها يوم العاشر من شهر اذار عام1968،والقاها بعد احد عشر يوماً في مؤتمر الادباء العرب المنعقد في القاهرة ،وجاءت بخمسة وثمانين بيتاً، تنوعت في صورها،حيث خاطب الامة العربية،مذكراً لها بالفتوح التي حققتها ،واقتراعها للصعاب والمحن للزحوف،وسلاحها جريد النخل،في محاريبها التقى،وفي اقلامها الحضارات،ولامجادها الصروح، فكيف لان حديدها ، وانصهر عودها ،مخاطباً الامة،وعارضاً امجادها،مقارناً بين ماضيها المجيد،وحاضرها الهزيل،متحدياً النكسة بما افادته .
مستنجداً بالامام علي عليه السلام،وقد لوى بخيبر كالغصن في يده ،ليستنزع سيناء من الاعداء،ويرجع الاسرى،ويسوي زيف الطبائع ،فيرد كل شيء الى حاصله:
صوح الحقل ياجهام ، ومـ
ات البذر من اصله ، ففيم الرعود؟
ياذرى ( خيبر ) اما من ( علي )
يتلو بلغه املود
ينتضينا ( سينا ) ويرجع أسرنا
فقد الحقت عليها القيود
ثم يعطف الشاعر على فيتنام ،وهي تكرع الموت،وتدوس الغرور،وتجبر الهة الحرب على الركوع،حيث شربت كؤوس الموت لتدوس غرور اميركا وتذل كبرياءها،ليذكر الامة بالبطولات،اذا تناستها وتمنحها العزم واللهيب اذا تسرى اليها الركود.
اذا خاف حتفه الرعديد
يافيتنام يالهي تكرع الموت
واذلته وهو صلف حقود
ياخطى داست الغرور جباها
الهم الديني في شعر الوائلي
واثرت واقعة الطف تاثيراً كبيراً على الادب النجفي،بل والادب الشيعي عامة،فقد اكسبته الواناً لم يسبق مثلها في ادب الرثاء من قبل،وكان لونها في الادب النجفي ابرز نظراً لكثرة ما انتجه،ولان النجف يعتبر من اهم المراكز الدينية في العالم الاسلامي،فكان اهتمامه بهذه الناحية من الفروض الدينية التي لها علقها بصميم الولاء لآل البيت عليهم السلام،وبهذه العقيدة اندفع العشرات ،بل المئات من الشعراء يندبون الامام الحسين عليه السلام ويتنوعون في الرثاء حتى اصبح الشاعر منهم لايستطيع ان يجيد الا بهذا النوع من الشعر،ولشدة اهتمامهم بواقعة الطف،فقد جعلوها حلبة مستمرة يتسابق فيها اعلام الشعر،ومن يرغب بمماشاتهم والتطاول لبلوغ منزلتهم.
ويظهر ان شاعرنا الوائلي واحد من الشعراء الذين وظفوا شعرهم لخدمة دينهم وامتهم ذابين عن تراث تلك الامة وقيمها،راجين لها ان تعيش سليمة من الدنس،وشعراء النجف السابقون منهم،او الذين جاؤوا بعدهم لم يعرفوا الناحية التمثيلية في الشعر ولم يشاهدوا هذا الفن الذي تبناه الغرب وابدع فيه،غير ان واقعة الطف دفعت بهم الى النظم في هذا الباب والاجادة فيه،وترى قطعاً لبعضهم جاءت رائعة في التصوير الذي لولاها لما استطاع ان يفكر في الاتيان بمثل هذا الالم في نفوسهم بدفعهم دائماً الى النظم والاجادة فيه(والشعر يفيض مع الالم)،تاثر مئات الشعراء منذ صدر الاسلام حتى الان،وتجد القسم النجفي بينهم بارزاً مستطيلاً، ومن بين شعراء النجف المجيدين كان الوائلي،الذي جمع بين ملكتي الخطابة والشعر،هذا الانسان الموهوب الذي كان مؤهلاً للريادة في مجال عمله (منذ ايام شبابه) ،والوائلي وان لم يكثر الاستشهاد بشعره في حديثه، الا ان موهبته الشعرية جعلته اقدر على انتقاء القصائد الشعرية المؤثرة او الابيات محل الاستشهاد.
وهذا ما جعل النقاد يعدونه ،شاعراً مجدداً واديباً عبقرياً،وخطيباً لامعاً،خدم الثورة الحسينية وصور ابعادها باسلوب ممتع حديث، وهو واحد من الشعراء الذين وظفوا شعرهم لخدمة دينهم وامتهم.
مدح آل البيت
وها هو شاعرنا في قصيدته (في رحاب الرسول) والتي يعود تاريخها الى عام1976،والتي تعد من اجود شعره مخلصاً لنفس المعاني النبيلة في كتابة الشعر:
سماحاً ابا الزهراء جئت لأجتلي
سناك واستهدي الجلال واطلب
اذا لم تؤمل فيض نورك ظلمتي
فمن اين يرجو جلوة النور غيهب
وان لم يلج ذنبي ببابك خاشعا
فمن اين يرجو رحمة الله مذنب
ومثلك من اعطى ومثلي من اجتدى
فان السما تنهل والارض تشرب
وله قصيدة في مدح الامام علي عليه السلام ،سماها (الى ابي تراب)نظمها عام1977ويقول مطلعها:
غالى يسار واستخف يمين
بك يالكنهك لا يكاد يبين
يحظى وتعدو والضغائن تغتلي
والدهر يقسو تارة ويلين
وتظل انت كما عهدتك نعمة
للان لم يرق لها تلحين
وله قصائد عديدة في آل البيت،السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام والائمة الاطهار،عالجت كثيرا من جوانب حياتهم وألقت بشيء من الحس الادبي والانساني على هذه الشخصيات وضعها الدكتور الوائلي ببراعة ليقدم من خلالها خطابه الديني . وفي قصيدة له القيت في حفل مولد الامام الحسين الذي اقيم في النجف عام1964،يقول احد مقاطعها:
ابا الطف ما جئنا لنبني بلفظنا
لمعناك صرحاً ان معناك امنع
متى بنت الالفاظ صرحا وانما
الصروح بمقدود الجماجم ترفع
الا ان برداً من جراح لبسته
بنى لك مجداً من جراحك يصنع
وموضحة تعلو جبينك منبراً
خطيب بما يجري عن الدم مصقع
وحقق الوائلي تفوقاً في كل صنف من صنفي دراسته الحوزوية والاكاديمية،والشيخ الوائلي حريص اشد الحرص على الحوزة العلمية وضرورة الحفاظ عليها من المندسين الذين يتزيون بزي العلماء وليسوا منهم،له قصيدة في هذا المجال قال فيها:
وفريق تيمموا عتبة الاسياد
في حفل سيد ومسود
ربضوا حولهم كما كان
اهل الكهف فيه وكلهم بالوصيد
لفظتهم شتى المجالات
اذا اضاقت بهم بلاهة وجمود
فاسترحوا الى التفيؤ
بالحوزة اكرم بظلها الممدود
فترحلوا فطلا حلا في شهور
واستطالوا هياكل من جليد
واستفادوا مفيدة وسمتهم
بشعار او جبهة او وفود
الهم الاجتماعي والوجداني في شعر الوائلي
لم يقف شعر الوائلي عند اغراضه الوطنية والقومية والدينية ،بل اجاد في اغراضه الاخرى،كالشعر الوجداني والاجتماعي وفي اسلوب الرثاء والاخوانيات حيث يحفظ المقربون منه العديد من الروائع في هذه المجالات، حتى انه كتب قصائد وجدانية لم يعان مضامينها في تجربة وانما عاناها خيالاً ،وقلد فيها اتجاهاً سائداً.
ومن بديع شعره الوجداني ،قصيدة (حوار مع القلب)والتي نظمها عام 1967والتي يبدأ فيها معاتباً روحه وقلبه التي اعياها السفر والغربة فيقول في مطلعها:
عادت خيولك انضاء من السفر
فهل تكف عن التجوال ياغجري
ياقلب ياقلب يا ابن الخافقين الا
تكف عن صبوات السمع والبصر
حتى يختتمها قائلاً:
وقد يصوغك وقع الهجر اغنية
في حين يملأ لي وجهي من الحفر
فسوف ابقى الى ما شئت في تعب
مما تكللني فيه فذا قدري
ومن بديع شعره الاجتماعي العديد من القصائد ، منها قصيدة ( خطرات في العيد)التي نظمها عام 1959 والتي يقول في مطلعها :
مرعيد الورى وما مرعيدي
فشدا عودهم وهدم عودي
صنفتهم مباهج فتنادوا
لجناها ولست ممن نودي
وعن الأم ودلالات احتفال الشاعر بيومها،كانت للوائلي قصيدة بث فيها تبجيله للام وبدورها ولحجرها الذي رسخ في ذاكرة الشاعر ،فيقول في مقدمتها:
امي لحجرك عندي الف سابغة
هيهات يغرب معناها ويندثر
في مقلتي خلوب من ملامحها
وفي مخيلتي جناتها الخضر
دفء وفيض حنان ناعم ورؤى
جديدة الوجه مهما امتدت العصر
وله قصيدة باثنين وستين بيتاً في رثاء استاذه وزوج عمته الخطيب الجليل محمد علي القسام ،ومنها:
ستون عاما على الاعواد قد صنعت
لك الخلود فرفرف ايها العلم
غذتك من سير الابطال ريقها
وعلمتك وبعض الناس ماعلموا
ومن قصائده في الرثاء ،القصيدة التي رثا فيها زوجته وجاء في مطلعها:
رفيقة عمري هل بجرحي بلسم
رحيلك ادماه وما انقطع الدم
مددت له كفي فلما رددتها
اذا الكف مما ينزف الجرح عندم
احاول اسلو الحزن او اطرد الشجى
فيكبر حزني بالسلو ويعظم
ومن نماذج شعره القديم قوله متغزلاً:
عارضتني فقيدت خطواتي
وسبتني باعين فاترات
لست ادري مسدس ام عيون
صوبتها اليّ بالنظرات
تاه قصدي فرحت اعمل فكري
لست ادري ارائح ام آت
فعلى المعطف الانيق فؤادي
ودمائي بصفحة الوجنات
فاذا ما طالبتموا بدمائي
فاطلبوها في وجه تلك الفتاة
ليس في شارع الرشيد سوى الـ
ـحب وقتل البريء باللفتات
وسعى الوائلي الى تعزيز علاقته مع مبدعي العراق من الشعراء،وها هو يهنئ الشاعرة نازك الملائكة
بعد عودتها من حج بيت الله الحرام عام1974:
يا ام براق عليك السلام
دام لك الايمان والالتزام
السعي مشكور لوادي منى
والحج مبرور لبيت حرام
ومن شعره في مداعبات اخوانه،ما قاله في مداعبة الدكتور اسعد علي حول رقم هاتفه الذي يبدأ بثلاث ستات وليس للدكتور منها ست واحدة ،حيث انه لم يتزوج ،فقال:
ثلاث من الستات تسكن خطكم
الى جنب بعض كلهن نيام
ومالك ست في الفراش تضمها
اذا ما دجى ليل وجن ظلام
على حين بات البعض يلتف حوله
من السمر والبيض الكعاب حزام
اجل تلك انصاب الحياة تفاوتت
فلم يتساو في النصيب انام
الوائلي شاعراً شعبياً
كان الوائلي شاعراً ذا لسانين فصيح ودارج ، واجاد وابدع في كليهما،حتى ان ناقداً كبيراً اكد ان الوائلي في شعره الدارج اشعر منه في الفصحى، والشعر الدارج الذي يطلق عليه الشعر الشعبي والادب العامي او الادب الريفي القروي ،هو ادب اشبه ما يكون بالازجال التي لا تتقيد بالقواعد النحوية،فقد عبر عنه شعراء الفصحى: ( الادب الملحون) الا انه يمتاز بابتكاره المعاني وسعة الخيال ،واستحضار الوان من صور الوجدانية ما يعجز عنها شعراء الفصحى،وامتاز بحصر المعنى في ابسط الفاظ واوجز ومعالجة الشؤون الاجتماعية وتصويرها باوضح الصور،وقل من يستطيع النظم فيه بصورة رائعة فائقة ،ويشتمل على ابواب كثيرة (الموال،والابوذية،والميمر،والمربح،والدارمي،والهوسة،والعتابة،والركباني)والنوع الاخير لا يزال محصوراً عند اعراب البادية.
وللوائلي قصائد شعبية تعد بحق من عيون الادب الشعبي ،في مختلف المجالات ،ابرزها قصائده التي صورت واقعة الطف تصويراً مؤثراً ورائعاً،تلقتها الايدي وحفظتها القلوب،بالاضافة الى القصائد الاخرى التي تنوعت في مضامينها واهدافها ومحتوياتها،فمنها القصائد السياسية،ومنها الوجدانية،ومنها الشعر الاخواني في المديح والرثاء ومنها في اهل البيت عليهم السلام، مجارياً بذلك معظم شعراء النجف بل العراق انذاك،والسبب الذي دفعهم الى ذلك هو ان الكثير منهم نزح اباؤهم من الريف الى المدينة وسكنوا النجف واحتفظوا بكثير من العادات والتقاليد الريفية التي لم يفارقهم التغني والتأثر بها.
ويحتفظ المقربون للوائلي من زملائه واصدقائه وتلاميذه كماً هائلاً من القصائد الشعبية، التي كثيراً ما كان يرتجلها على ضوء مناسبة او حادثة او موقف،حيث يجري الشعر الشعبي على لسانه مجرى السهل الممتنع،كقصيدة (شباك العباس)،و(وفد النجف)،بالاضافة الى قصائد رائعة في مداعبة بعض اخوانه وهجاء البعض الاخر بنحو ساخر،كقصيدة (حمد)،و(سيارة السهلاني)،و(سوق ساروجة)،وقصيدة (داخل ولندن)، ليضع نتاجاته هذه الى جانب روائع الشعر الشعبي الذي انتجته قريحة شعراء الفصحى الذين تذوقوا هذا اللون من الادب والنظم فيه،ومنهم،الشيخ علي زيني،والسيد صادق الفحام،والسيد موسى الطالقاني،والشيخ عباس الاعسم،والشيخ محمد بن نصار،والسيد باقر الهندي واضرابهم،والى جانب روائع الشعراء الشعبيين الحاج زاير،وعبود غفلة،والشيخ مهدي الخضري،وعبد الله الروازق،والسيد عبد الحسين الشرع،وعبد الحسين ابو شبع.
وسعى خطيب المنبر الحسيني السيد داخل السيد حسن بجمع قصائد الوائلي الدينية ونشرها في مؤلفه (ادب المنبر الحسيني).
لاتطربن لطبلها فطبولها كانت لغيرك قبل ذلك تقرع !
• مثلما جعل منبره الخطابي ضد المغالين والصائدين في الماء العكر صار شعره كذلك
• أنزلوه من المنبر وهو يقرأ وكأنه لا يراهم
• عربي الهوى في الشعر وفي السياسة
قال في بغداد : (يطغى النعيم بجانب وبجانب يطغى الشقا فمرفّه ومضيّع) .. فماذا سيقول الآن ؟
وضد الطائفية : وغدت تصنفنا يد مسمومة متسنن هذا وذا متشيع
ياقلب ياقلب يا ابن الخافقين الا
تكف عن صبوات السمع والبصر
كانت للوائلي حصانة في مدينته النجف، لكونها تضم المرجعية الدينية القوية التي ينتمي اليها ويمثل بعض طلائع نهضتها،ولاعتبارات عائلية واجتماعية تتميز بها مدينة النجف التي حملت سمة المعارضة لجميع الحكومات السابقة واللاحقة،بما يكون لهذا كله اثره في اقدامه وعدم تورعه في مهاجمة السلطة، لكن الوائلي الذكي استغل هذه الظروف مع الضعف البين في الحكومة،وبلغت به الجرأة والاستبسال ان يقف وقفة مشهورة فينتقد السلطة في مركزها وامام اركانها وازلامها،عندما شارك في مهرجان الشعرالعربي الذي اقيم في قاعة جامع براثا بمشاركة نخبة كبيرة من المع الشعراء العراقيين والعرب وبحضور رئيس الجمهورية انذاك الرئيس عبد السلام محمد عارف، ونقلت تلفزيونياً مباشرة. وتنفيذاً لتقاليد المشاركة في مثل هذه الملتقيات تسلم الوائلي قصيدته المفحوصة للمشاركة ووضعها في جيبه واخرج من جيبه الاخر لفافة تحمل قصيدة اخرى، هي (رسالة الشعر) ضاربا بعرض الحائط لجنة وراعي المهرجان، وبدأ يلقي قصيدته العينية التي خص بمقاطع منها بغداد عاصمة الاسلام ودار السلام،كانت في الحقيقة بلسماً يسكن عليه جرح العراقيين حينما خاطب من خلالها كل الطغاة الذين تناوبوا على حكم هذه المدينة (العاصمة) الخالدة بأغطية مهلهلة باسم الاسلام تارة،وباسم العروبة اخرى، ليقول إن صور الجور والظلم والجوع والفقر ونهب الحقوق ما زالت ترتسم في جانب وصور نقيضة اخرى في جانب اخر من حياة تأسيس بغداد،وحتى اليوم:
بغداد يومك لا يزال كأمسه
صور على طرفي نقيض تجمع
يطغى النعيم بجانب وبجانب
يطغى الشقا فمرفه ومضيع
في القصر اغنية على شفة الهوى
والكوخ دمع في المحاجر يلذع
ومن الطوى جنب البيادر صرع
وبجنب زق ابي نؤاس صرّع
ويد تكبًل وهي مما يفتدى
ويد تقبّل وهي مما يقطع
وبراءة بيد الطغاة مهانة
ودناءة بيد المبرر توضع
(وبلع رئيس الدولة تلك المخالفة على مضض لأن البث التلفزيوني مباشر،وكل حركة محسوبة على رئيس دولة يريد ان تصدق الناس سعيه بلم الشمل والاستماع الى هموم شعبه من كلام الشعراء،فكانت ابيات القصيدة الوائلية سهاماً حادة النصول تقطع اوصال ذلك الرجل المهاب الجالس بين اتباعه،وقد فقد رصانته،فراح يلتفت ،وقد انتفخت اوداجه وتغيرت ملامح وجهه لا يدري ما يفعل ،فهو امام الكاميرا يواجه الناس).
وجد الوائلي صعوبة في اتمام القاء قصيدته،بسبب الإلحاح بطلب الاعادة لأبياتها من قبل الجمهور الغفير الذي اكتظت به قاعة المهرجان وهو يردد بصوت جهوري:
المجد يحتقر الجبان لأنه
شرب الصدى وعلى يديه المنبع
او قوله
ومشت تصنفنا يد مسمومة
متسنن هذا وذا متشيع
كانت لحظات مبهمة وصوت الوائلي يشق السكون الى ان جاءت اللحظة التي ذر بها الوائلي الملح على الجرح بتوجيه سبابته الى الرئيس عارف مصحوبة ببيت لاذع قلب ميزان وقار الرجل فكأنه جرده من ثيابه:
لا تطربن لطبلها فطبولها
كانت لغيرك قبل ذلك تقرع
هنا ظهر كل ما استبطن ، وغلب الطبع على التطبع، فقد انطلق الزبانية بامر سيدهم يرتقون السلالم من الجانبين والشيخ ما زال يقرأ على المنصة ،فهذا سحبه من اليمين،وذاك جاءه من الشمال،وآخر جذب عباءته ،وهو كأنه لا يراهم وما كان هناك ملجأ للتغطية الا قطع البث. وانتشر خبر اعتقال الوائلي وجماعته بسرعة بين الناس،فخرجت اعداد غفيرة من المتظاهرين تطالب باطلاق سراح الجميع وعمت الفوضى ، ولم يكن من الامر بد الا الامتثال لارادة المتظاهرين واطلاق سراح الوائلي وجماعته في النهار نفسه.
الهم القومي في شعر الوائلي
كان الوائلي عربي الهوى والتوجه، وكثيراً ما كان يدلي بذلك سواءً من خلال منهجه في طرحه للقضية الحسينية بروح الباحث المدقق عن تبرئة العرب الاقحاح من دم الامام الحسين وآل بيته الاطهار ومناصريه عليهم السلام، فكان كثيراً ما يصف قاتليهم بالدهماء او الغوغاء او الادعياء او الحاقدين،مبتعداً عن مقولات بعض الغلاة الذين ارادوا ان يكرسوا من على المنبر الحسيني مقولات (اللهم العن امة قتلت ابن بنت نبيك)او(لعن الله امة قتلتك) وغيرها من اشارات الغمز واللمز التي تحاول ان تلقي الفعل الضال بالعرب، وهو واحد من الشعراء الذين وظفوا شعرهم لخدمة دينهم وامتهم ذابين عن تراث الامة وترابها وقيمها راجين لها ان تعيش سليمة من الدنس ،بعيدة عن الاستغلال والسيطرة الاجنبية.
اسرت ناظري فلن يستردا
خطرات على الفرات المفدى
الجلال المهيب في المتن نحلا
والجمال الانيق في الجرف وردا
ويضيف في قصيدته:
ياضفاف الفرات كم فيك غيل
مار ينشي من المواليد اسدا
والمغاوير الحمر يوما وسيفا
والمصاليت السمر وجهاً وزندا
عرفتهم ملاحم المجد سيفا
يعربيا يأبى مدى الدهر غمدا
يعلكون الرصاص في الحرب قوتا
ويعبون من دم السخر وردا
ويختم قصيدته بهذه الابيات:
يامجالي الفرات شكرا فقد أو
حيت لي مارددته لك حمدا
انا سجلت بعض الائك الغر
ولم استطع لفضلك غمدا
عربي الهوى
ومثلما تربى الوائلي على مبادئ الدين الاسلامي الحنيف،فانه تاثر بالدعوة للوحدة العربية التي شهدت ازدهارها بين الشباب العربي وبعض الشباب النجفيين منهم،ومن بينهم المرحوم احمد الجزائري الذي امن بالوحدة العربية ايماناً كبيراً لم تستطع اساليب البطش التي واجهها ومنها النفي والاعتقال والترهيب ان تنال من ايمانه بها وقد ابلى بلاءً حسناً في مواجهتها حتى قضى شهيداً في سبيلها ،فانشده الوائلي يقول:
ايها ( اليعربي) حين غزا الاجيال
زيف الدخيل والتغريب
حمل العرب بين جبينه روحاً
ورجاءً بقلبه لا يخيب
ودعا العاقلين للوحدة الكبرى
ينادي برهطه ويهيب
وتغنى بمجد سورية العرب
سواء شمالها والجنوب
ذاب في اهلها جميعاً هلال
من وراء انتمائهم ام صليب
قارع الاستعمار شخصاً وفكراً
فهو في ذلك القوي الحسيب
ويزخر نتاج الوائلي الشعري بالعديد من القصائد الرائعة التي يتغنى من خلالها بماضي الامة العربية المجيد،وكيف استطاعت ان تكون مناراً لشعوب الانسانية جمعاء،يوم فتحت طلائع الامة افاق الدنيا وسادت اركان الارض حاملة رسالة التوحيد والحضارة والانسانية وقد خاطبها في قصيدة (من وحي النكبة)التي نظمها عام1967:
امتي ارست الخطوب السود
فاقرعيها ولا يلن لك عود
وطلب الوائلي من الامة مقارعة الخطوب والانتشاء بكأس اللظى…وكان يطالب ابناءها من خلالها بأن تحقق احدى الحسنيين ،اما وجود الغناء واما الممات…ويتميز مخاطباً الامة،مذكراً اياها بالفتوح التي حققتها،واقتراعها الصعاب والمحن فيقول:
امتي واسألي النجوم اما كنا
اباة غير النجوم يزود
وزرعنا الفتوح في كل فج
فلنا فوق كل ارض شهود
فلسطين
واتجه الوائلي لمعالجة قضية العرب الاولى ،قضية فلسطين اتجاها عربيا اسلامياً وتناولها في اكثر من مناسبة وكتب فيها اكثر من قصيدة ، وحاول بذلك تصوير المأساة للعرب وللمسلمين كمشكلة لايمكن حلها الا عن طريقهم، بتضافر جهودهم ، وبالوقوف صفاً واحداً الى جنب الشعب الفلسطيني الجريح ،عارضاً مشاهد وصوراً وظلالاً من مآسي اللاجئين،وطيوف النازحين،وله في التعبير عن ذلك قصيدتان.(حديث فلسطين)التي نظمها عام1967،عقب نكسة الخامس من حزيران، وهي في ثمانين بيتاً،جاء في مقدمتها:
فلسطين ما بخل المنفق
ولا وهن الكتف المرهق
ولا مات بالعزمات اللهيب
ولا اظلم الامل المشرق
ولابرح الساح احلامه
تهدهدها الضمر السبق
اما قصيدته الثانية فعنوانها ( أقي ) نظمها يوم العاشر من شهر اذار عام1968،والقاها بعد احد عشر يوماً في مؤتمر الادباء العرب المنعقد في القاهرة ،وجاءت بخمسة وثمانين بيتاً، تنوعت في صورها،حيث خاطب الامة العربية،مذكراً لها بالفتوح التي حققتها ،واقتراعها للصعاب والمحن للزحوف،وسلاحها جريد النخل،في محاريبها التقى،وفي اقلامها الحضارات،ولامجادها الصروح، فكيف لان حديدها ، وانصهر عودها ،مخاطباً الامة،وعارضاً امجادها،مقارناً بين ماضيها المجيد،وحاضرها الهزيل،متحدياً النكسة بما افادته .
مستنجداً بالامام علي عليه السلام،وقد لوى بخيبر كالغصن في يده ،ليستنزع سيناء من الاعداء،ويرجع الاسرى،ويسوي زيف الطبائع ،فيرد كل شيء الى حاصله:
صوح الحقل ياجهام ، ومـ
ات البذر من اصله ، ففيم الرعود؟
ياذرى ( خيبر ) اما من ( علي )
يتلو بلغه املود
ينتضينا ( سينا ) ويرجع أسرنا
فقد الحقت عليها القيود
ثم يعطف الشاعر على فيتنام ،وهي تكرع الموت،وتدوس الغرور،وتجبر الهة الحرب على الركوع،حيث شربت كؤوس الموت لتدوس غرور اميركا وتذل كبرياءها،ليذكر الامة بالبطولات،اذا تناستها وتمنحها العزم واللهيب اذا تسرى اليها الركود.
اذا خاف حتفه الرعديد
يافيتنام يالهي تكرع الموت
واذلته وهو صلف حقود
ياخطى داست الغرور جباها
الهم الديني في شعر الوائلي
واثرت واقعة الطف تاثيراً كبيراً على الادب النجفي،بل والادب الشيعي عامة،فقد اكسبته الواناً لم يسبق مثلها في ادب الرثاء من قبل،وكان لونها في الادب النجفي ابرز نظراً لكثرة ما انتجه،ولان النجف يعتبر من اهم المراكز الدينية في العالم الاسلامي،فكان اهتمامه بهذه الناحية من الفروض الدينية التي لها علقها بصميم الولاء لآل البيت عليهم السلام،وبهذه العقيدة اندفع العشرات ،بل المئات من الشعراء يندبون الامام الحسين عليه السلام ويتنوعون في الرثاء حتى اصبح الشاعر منهم لايستطيع ان يجيد الا بهذا النوع من الشعر،ولشدة اهتمامهم بواقعة الطف،فقد جعلوها حلبة مستمرة يتسابق فيها اعلام الشعر،ومن يرغب بمماشاتهم والتطاول لبلوغ منزلتهم.
ويظهر ان شاعرنا الوائلي واحد من الشعراء الذين وظفوا شعرهم لخدمة دينهم وامتهم ذابين عن تراث تلك الامة وقيمها،راجين لها ان تعيش سليمة من الدنس،وشعراء النجف السابقون منهم،او الذين جاؤوا بعدهم لم يعرفوا الناحية التمثيلية في الشعر ولم يشاهدوا هذا الفن الذي تبناه الغرب وابدع فيه،غير ان واقعة الطف دفعت بهم الى النظم في هذا الباب والاجادة فيه،وترى قطعاً لبعضهم جاءت رائعة في التصوير الذي لولاها لما استطاع ان يفكر في الاتيان بمثل هذا الالم في نفوسهم بدفعهم دائماً الى النظم والاجادة فيه(والشعر يفيض مع الالم)،تاثر مئات الشعراء منذ صدر الاسلام حتى الان،وتجد القسم النجفي بينهم بارزاً مستطيلاً، ومن بين شعراء النجف المجيدين كان الوائلي،الذي جمع بين ملكتي الخطابة والشعر،هذا الانسان الموهوب الذي كان مؤهلاً للريادة في مجال عمله (منذ ايام شبابه) ،والوائلي وان لم يكثر الاستشهاد بشعره في حديثه، الا ان موهبته الشعرية جعلته اقدر على انتقاء القصائد الشعرية المؤثرة او الابيات محل الاستشهاد.
وهذا ما جعل النقاد يعدونه ،شاعراً مجدداً واديباً عبقرياً،وخطيباً لامعاً،خدم الثورة الحسينية وصور ابعادها باسلوب ممتع حديث، وهو واحد من الشعراء الذين وظفوا شعرهم لخدمة دينهم وامتهم.
مدح آل البيت
وها هو شاعرنا في قصيدته (في رحاب الرسول) والتي يعود تاريخها الى عام1976،والتي تعد من اجود شعره مخلصاً لنفس المعاني النبيلة في كتابة الشعر:
سماحاً ابا الزهراء جئت لأجتلي
سناك واستهدي الجلال واطلب
اذا لم تؤمل فيض نورك ظلمتي
فمن اين يرجو جلوة النور غيهب
وان لم يلج ذنبي ببابك خاشعا
فمن اين يرجو رحمة الله مذنب
ومثلك من اعطى ومثلي من اجتدى
فان السما تنهل والارض تشرب
وله قصيدة في مدح الامام علي عليه السلام ،سماها (الى ابي تراب)نظمها عام1977ويقول مطلعها:
غالى يسار واستخف يمين
بك يالكنهك لا يكاد يبين
يحظى وتعدو والضغائن تغتلي
والدهر يقسو تارة ويلين
وتظل انت كما عهدتك نعمة
للان لم يرق لها تلحين
وله قصائد عديدة في آل البيت،السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام والائمة الاطهار،عالجت كثيرا من جوانب حياتهم وألقت بشيء من الحس الادبي والانساني على هذه الشخصيات وضعها الدكتور الوائلي ببراعة ليقدم من خلالها خطابه الديني . وفي قصيدة له القيت في حفل مولد الامام الحسين الذي اقيم في النجف عام1964،يقول احد مقاطعها:
ابا الطف ما جئنا لنبني بلفظنا
لمعناك صرحاً ان معناك امنع
متى بنت الالفاظ صرحا وانما
الصروح بمقدود الجماجم ترفع
الا ان برداً من جراح لبسته
بنى لك مجداً من جراحك يصنع
وموضحة تعلو جبينك منبراً
خطيب بما يجري عن الدم مصقع
وحقق الوائلي تفوقاً في كل صنف من صنفي دراسته الحوزوية والاكاديمية،والشيخ الوائلي حريص اشد الحرص على الحوزة العلمية وضرورة الحفاظ عليها من المندسين الذين يتزيون بزي العلماء وليسوا منهم،له قصيدة في هذا المجال قال فيها:
وفريق تيمموا عتبة الاسياد
في حفل سيد ومسود
ربضوا حولهم كما كان
اهل الكهف فيه وكلهم بالوصيد
لفظتهم شتى المجالات
اذا اضاقت بهم بلاهة وجمود
فاسترحوا الى التفيؤ
بالحوزة اكرم بظلها الممدود
فترحلوا فطلا حلا في شهور
واستطالوا هياكل من جليد
واستفادوا مفيدة وسمتهم
بشعار او جبهة او وفود
الهم الاجتماعي والوجداني في شعر الوائلي
لم يقف شعر الوائلي عند اغراضه الوطنية والقومية والدينية ،بل اجاد في اغراضه الاخرى،كالشعر الوجداني والاجتماعي وفي اسلوب الرثاء والاخوانيات حيث يحفظ المقربون منه العديد من الروائع في هذه المجالات، حتى انه كتب قصائد وجدانية لم يعان مضامينها في تجربة وانما عاناها خيالاً ،وقلد فيها اتجاهاً سائداً.
ومن بديع شعره الوجداني ،قصيدة (حوار مع القلب)والتي نظمها عام 1967والتي يبدأ فيها معاتباً روحه وقلبه التي اعياها السفر والغربة فيقول في مطلعها:
عادت خيولك انضاء من السفر
فهل تكف عن التجوال ياغجري
ياقلب ياقلب يا ابن الخافقين الا
تكف عن صبوات السمع والبصر
حتى يختتمها قائلاً:
وقد يصوغك وقع الهجر اغنية
في حين يملأ لي وجهي من الحفر
فسوف ابقى الى ما شئت في تعب
مما تكللني فيه فذا قدري
ومن بديع شعره الاجتماعي العديد من القصائد ، منها قصيدة ( خطرات في العيد)التي نظمها عام 1959 والتي يقول في مطلعها :
مرعيد الورى وما مرعيدي
فشدا عودهم وهدم عودي
صنفتهم مباهج فتنادوا
لجناها ولست ممن نودي
وعن الأم ودلالات احتفال الشاعر بيومها،كانت للوائلي قصيدة بث فيها تبجيله للام وبدورها ولحجرها الذي رسخ في ذاكرة الشاعر ،فيقول في مقدمتها:
امي لحجرك عندي الف سابغة
هيهات يغرب معناها ويندثر
في مقلتي خلوب من ملامحها
وفي مخيلتي جناتها الخضر
دفء وفيض حنان ناعم ورؤى
جديدة الوجه مهما امتدت العصر
وله قصيدة باثنين وستين بيتاً في رثاء استاذه وزوج عمته الخطيب الجليل محمد علي القسام ،ومنها:
ستون عاما على الاعواد قد صنعت
لك الخلود فرفرف ايها العلم
غذتك من سير الابطال ريقها
وعلمتك وبعض الناس ماعلموا
ومن قصائده في الرثاء ،القصيدة التي رثا فيها زوجته وجاء في مطلعها:
رفيقة عمري هل بجرحي بلسم
رحيلك ادماه وما انقطع الدم
مددت له كفي فلما رددتها
اذا الكف مما ينزف الجرح عندم
احاول اسلو الحزن او اطرد الشجى
فيكبر حزني بالسلو ويعظم
ومن نماذج شعره القديم قوله متغزلاً:
عارضتني فقيدت خطواتي
وسبتني باعين فاترات
لست ادري مسدس ام عيون
صوبتها اليّ بالنظرات
تاه قصدي فرحت اعمل فكري
لست ادري ارائح ام آت
فعلى المعطف الانيق فؤادي
ودمائي بصفحة الوجنات
فاذا ما طالبتموا بدمائي
فاطلبوها في وجه تلك الفتاة
ليس في شارع الرشيد سوى الـ
ـحب وقتل البريء باللفتات
وسعى الوائلي الى تعزيز علاقته مع مبدعي العراق من الشعراء،وها هو يهنئ الشاعرة نازك الملائكة
بعد عودتها من حج بيت الله الحرام عام1974:
يا ام براق عليك السلام
دام لك الايمان والالتزام
السعي مشكور لوادي منى
والحج مبرور لبيت حرام
ومن شعره في مداعبات اخوانه،ما قاله في مداعبة الدكتور اسعد علي حول رقم هاتفه الذي يبدأ بثلاث ستات وليس للدكتور منها ست واحدة ،حيث انه لم يتزوج ،فقال:
ثلاث من الستات تسكن خطكم
الى جنب بعض كلهن نيام
ومالك ست في الفراش تضمها
اذا ما دجى ليل وجن ظلام
على حين بات البعض يلتف حوله
من السمر والبيض الكعاب حزام
اجل تلك انصاب الحياة تفاوتت
فلم يتساو في النصيب انام
الوائلي شاعراً شعبياً
كان الوائلي شاعراً ذا لسانين فصيح ودارج ، واجاد وابدع في كليهما،حتى ان ناقداً كبيراً اكد ان الوائلي في شعره الدارج اشعر منه في الفصحى، والشعر الدارج الذي يطلق عليه الشعر الشعبي والادب العامي او الادب الريفي القروي ،هو ادب اشبه ما يكون بالازجال التي لا تتقيد بالقواعد النحوية،فقد عبر عنه شعراء الفصحى: ( الادب الملحون) الا انه يمتاز بابتكاره المعاني وسعة الخيال ،واستحضار الوان من صور الوجدانية ما يعجز عنها شعراء الفصحى،وامتاز بحصر المعنى في ابسط الفاظ واوجز ومعالجة الشؤون الاجتماعية وتصويرها باوضح الصور،وقل من يستطيع النظم فيه بصورة رائعة فائقة ،ويشتمل على ابواب كثيرة (الموال،والابوذية،والميمر،والمربح،والدارمي،والهوسة،والعتابة،والركباني)والنوع الاخير لا يزال محصوراً عند اعراب البادية.
وللوائلي قصائد شعبية تعد بحق من عيون الادب الشعبي ،في مختلف المجالات ،ابرزها قصائده التي صورت واقعة الطف تصويراً مؤثراً ورائعاً،تلقتها الايدي وحفظتها القلوب،بالاضافة الى القصائد الاخرى التي تنوعت في مضامينها واهدافها ومحتوياتها،فمنها القصائد السياسية،ومنها الوجدانية،ومنها الشعر الاخواني في المديح والرثاء ومنها في اهل البيت عليهم السلام، مجارياً بذلك معظم شعراء النجف بل العراق انذاك،والسبب الذي دفعهم الى ذلك هو ان الكثير منهم نزح اباؤهم من الريف الى المدينة وسكنوا النجف واحتفظوا بكثير من العادات والتقاليد الريفية التي لم يفارقهم التغني والتأثر بها.
ويحتفظ المقربون للوائلي من زملائه واصدقائه وتلاميذه كماً هائلاً من القصائد الشعبية، التي كثيراً ما كان يرتجلها على ضوء مناسبة او حادثة او موقف،حيث يجري الشعر الشعبي على لسانه مجرى السهل الممتنع،كقصيدة (شباك العباس)،و(وفد النجف)،بالاضافة الى قصائد رائعة في مداعبة بعض اخوانه وهجاء البعض الاخر بنحو ساخر،كقصيدة (حمد)،و(سيارة السهلاني)،و(سوق ساروجة)،وقصيدة (داخل ولندن)، ليضع نتاجاته هذه الى جانب روائع الشعر الشعبي الذي انتجته قريحة شعراء الفصحى الذين تذوقوا هذا اللون من الادب والنظم فيه،ومنهم،الشيخ علي زيني،والسيد صادق الفحام،والسيد موسى الطالقاني،والشيخ عباس الاعسم،والشيخ محمد بن نصار،والسيد باقر الهندي واضرابهم،والى جانب روائع الشعراء الشعبيين الحاج زاير،وعبود غفلة،والشيخ مهدي الخضري،وعبد الله الروازق،والسيد عبد الحسين الشرع،وعبد الحسين ابو شبع.
وسعى خطيب المنبر الحسيني السيد داخل السيد حسن بجمع قصائد الوائلي الدينية ونشرها في مؤلفه (ادب المنبر الحسيني).