عاد مشروع توزيع جزء من الوفرة الناجمة عن عوائد النفط على العراقيّين بشكل مباشر، إلى واجهة الأحداث أخيراً، مع دخول الكتل السياسيّة المرحلة التحضيريّة للانتخابات العامة في العام المقبل، وذلك وسط مخاوف من أن يؤدّي إلى المزيد من التضخّم البلاد.
 
ومن المفترض أن تجرى الانتخابات التشريعيّة في العراق في آذار/مارس 2014، لكن البرلمان لم يصوّت بعد على قانون الانتخابات فيما تقول مفوضيّة الانتخابات إنها بحاجة إلى ستّة أشهر من لحظة إقرار القانون كي تنجز استعداداتها لعمليّة اقتراع 2014.
ويقدّر الخبير الاقتصادي العراقي باسم جميل أنطوان في حديث إلى "المونيتور" "حصول كلّ مواطن عراقي على ما يقارب 50 دولاراً أميركياً شهرياً من فائض عوائد النفط"، مشترطاً "قبل ذلك سدّ عجز الموازنة وزيادة الصادرات النفطيّة".
وكانت وزارة التخطيط العراقيّة قد أعلنت في آذار/مارس الماضي عن "توزيع مبالغ منحة الـ 25% من فائض الموازنة على المواطنين قريباً، وبمفعول رجعي يشمل العامين 2012 و 2013".
ويرجّح أنطوان أن "يصل فائض الموازنات في العراق سنوياً إلى 10 مليارات دولار"، مشترطاً أن "يتمّ سدّ العجز في الموازنة العامة وزيادة الصادرات ورفع إنتاج النفط".
وبالنسبة إلى أنطوان، فإن "فائض الموازنة سيوفّر لكلّ فرد عراقي مرتباً شهرياً يتراوح ما بين 30 و50 دولاراً"، موضحاً أن "هذا الرقم سيتجاوز 50 دولاراً إذا تمّ التوزيع على العوائل الفقيرة أو تلك التي تعيش دون خط الفقر".
ويقدّر مختصّون أن يصل مجموع مبالغ وفرة عوائد النفط إلى 5 ترليون دينار عراقي، أي ما يعادل نحو 4 مليارات دولار سنوياً.
ويقول عضو لجنة الاقتصاد في مجلس النواب سلمان الموسوي في حديث إلى "المونتيور" إن "توزيع فائض عوائد الدولة يتمّ إما بالطريقة المباشرة وهي أن توزّع مبالغ نقديّة على المواطنين، إما بالطريقة غير المباشرة عبر زيادة الأجور والرواتب التقاعديّة وتقديم القروض".
ويحذّر الموسوي من أن "الطريقة الأولى ربما ستؤدّي إلى التضخّم ولن تعود بالفائدة على الشعب"، مستشهداً بـ"إيران التي اعتمدت الطريقة المباشرة في توزيع مبالغ نقديّة. لكن في المقابل، ارتفعت أسعار الوقود والغاز والمواد الغذائيّة". وتابع "اليوم إيران تفكّر بطريقة أخرى وهي تقديم سلع دائمة مدعومة وشبه مجانيّة".
يضيف أن "الطريقة الأخرى (غير المباشرة) تحقّق للمواطن فائدة أكبر من الطريقة الأولى التي تُستخدم للدعاية الانتخابيّة"، موضحاً أن "الطريقة الثانية تقضي بأن تقوم الحكومة بتوزيع قروض صناعيّة وزراعيّة وعقاريّة من دون فائدة على الأمد الطويل، بالتزامن مع دعم القطاع الخاص وخلق فرص جديدة للعاطلين عن العمل"، بالإضافة إلى "إمكانيّة زيادة الأجور والرواتب التقاعديّة".
ويشير الموسوي إلى أن "اللجنة الاقتصاديّة البرلمانيّة طالبت بإنشاء صندوق لدعم القطاع الخاص يستقطع له جزء من موازنة الدولة التي ستتجاوز 140 مليار دولار"، موضحاً أن "70% من موازنة الدولة تذهب إلى نفقات تشغيليّة (رواتب)، وعلى الحكومة أن تفكّر بالأجيال القادمة وتحمي ثروات البلد من الاستنزاف".
من جهته، يرى عضو لجنة الاقتصاد في برلمان العراق عبد الحسين عبطان في حديث إلى "المونيتور" أن "تأخّر توزيع الثروات على العراقيّين حتى الآن، يعود إلى عدم وصول صادرات النفط إلى 3 ملايين برميل يومياً، بحسب ما تمّ تحديده في موازنة العام 2013"، مؤكداً أن "عجز موزانة العام الحالي وصل إلى 20 ترليون دينار عراقي".
ويقول عبطان "عندما طرحت موازنة 2013 للتصويت، كان ثمّة مقترحان. الأوّل أن يوزّع الفائض على المواطنين نقداً والآخر أن يقرّ البرلمان موازنة تكميليّة". يضيف أن "المقترح الأخير تمّ الاتفاق عليه. لكن الموازنة عانت عجزاً كبيراً وصل إلى 20 ترليون دينار نتيجة عدم وصول صادرات النفط إلى الحدّ المطلوب، وهو 3 ملايين برميل يومياً".ويوضح عبطان أن "العراق يُعتبر صاحب ثاني أكبر احتياطي نفطي في العالم ويمتلك نحو 80 مليار دولار في البنك المركزي، ويحقّ لشعبه أن يتمتّع بخيرات بلاده"، مشيراً إلى أن "الآراء السياسيّة والبرلمانيّة تختلف في أسلوب توزيع الثروة. فثمّة من يفضّل دفع المبالغ الماليّة، وثمّة من يقترح دعم البطاقة التموينيّة وتوزيع الأراضي على الفقراء".
بالنسبة إلى عبطان، فإن "المواطن العراقي وصل إلى حالة من اليأس إزاء بعض السياسيّين والبرلمانيّين في ما يتعلّق بتحقيق مشروع توزيع الثروة"، ويشير إلى أن "توزيع الفائض بشكل مباشر ليس بالأمر السهل، لا سيّما وأن العراق لا يملك قاعدة بيانات ولا أنظمة مصرفيّة متطوّرة".
من جهته، يشير عضو لجنة المال في البرلمان العراقي إبراهيم المطلك إلى مشكلة أخرى تعترض تطبيق هذا المشروع. فيقول لـ"المونيتور"، "حتى لو كان ثمّة فائض في الموازنة، لا يمكن توزيعه بسهولة"، لافتاً إلى أنه "ستظهر مشكلة تتعلّق بكيفيّة توزيعه. فهل يكون ذلك بحسب التعداد السكاني وهل سيحصل الأفراد في المحافظات المنتجة للنفط على حصّة مماثلة لحصّة المحافظات غير المنتجة؟".
ويتابع أن "فائض الموازنات يوزّع سلفاً على قطاع الكهرباء وموازنة الطوارئ"، معتبراً أن "الحديث عن هذا الموضوع في مثل هذا التوقيت لا يخلو من دعاية انتخابيّة".
من جهتها، اقترحت عضو اللجنة الاقتصاديّة في البرلمان ناهدة الدايني، في حديث إلى "المونيتور"، "إنشاء صندوق لدعم الإسكان من فائض الموازنات".