بسم الله الرحمن الرحيم


الشعر ديوان العرب ، به سجلوا مآثرهم واخبارهم ، وارخوا وقائعهم وحروبهم ‘ وتفاخروا وتهاجوا ، وقد قال خير من نطق بالضاد صلى الله عليه واله وسلم ان من البيان لسحرا ومن الشعر لحكمة . فاعتنى العرب قبل الاسلام بشعراءهم فالشاعر يعتبر لسان قومه والناطق عنهم فاذا ما برز شاعر في قبيلة افتخرت به على القبائل ، ولما جاء الاسلام اقر ذلك كله ، فبرز شعراء يدافعون عن بيضة الاسلام كحسان بن ثابت وما قصة كعب بن زهير مع رسول الله صلى الله عليه واله الا دليل على ما اولى الاسلام به الشعر من اهتمام وما للشعر من فعالية بالغة في ميادين الحياة ، وهكذا استمر عطاء الشعر والشعراء وطوى الزمن صفحاته والشعر يتبلور ويتغير حسب مقتضيات الضروف حتى اسدل الزمن الستار على حقبة الامويين وطويت صفحتهم واوقدت شمعة الحقبة العباسية .
واشتهرت الفترة العباسية بشعراء كبار اثروا الادب العربي بنتاجهم الشعري وخلدوا اسماءهم على امتداد الزمن فمن منا لا يحفظ البيت والبيتين من شعر ابي الطيب المتنبي ومن منا لا يقف معجبا امام قصائد ابي تمام . فاردنا ان نسلط الضوء على احد فحول الشعر العباسي وهو دعبل بن علي الخزاعي الشاعر المعروف باسلوبه السهل الممتنع ، المشهور بهجاءه المقذع ، دعبل الذي سارت ابايته مسرى الصبا دعبل الذي احبه الثلة العظمى من الناس فحفظوا اشعاره ، دعبل الذي هجا خلفاء عصره وولاتهم فبعض يتحاشاه وبعض يتوعده ، وهو غير مكترث حتى ورد عنه انه يحمل خشبته ليجد من يصلبه عليها فلم يجد. فتعرضنا ببحثنا هذا الى مفردات حياته على سبيل الايجاز ، والى ذكر نتاجاته وعلو كعبه في الادب ، ثم شفعنا ذلك بذكر بعض ابياته ، وكل ذلك على سبيل الايجاز والاختصار، واقتبسنا ذلك من عدة مصادر سنورد اسماءها واسماء مؤلفيها في نهاية البحث ومن الله التوفيق.



















من هو دعبل بن علي الخزاعي:
هو دعبل بن على بن رزين بن سليمان بن تميم بن نهشل بن خداش بن خالد بن عبد بن دعبل بن انس بن خزيمة بن سلامان بن اسلم بن حارثة بن عمرو بن عامر بن مزيقيا . ويقول ابن حجر في لسانه : هو دعبل الشاعر وهو دعبل بن رزين بن سليمان الخزاعي أبو على الشاعر المشهور كان جده رزين مولى عبد الله بن خلف الخزاعي والده طلحة الطلحات ويقال انه من ولد بديل بن ورقاء الصحابي. هذا هو المشهور عند أكثرهم وقد اجمع على عودة نسبه إلى خزاعة احدى قبائل اليمن الشهيرة .
وهناك اختلاف في اسمه فورد ان اسمه محمد كما في الاغاني او اسمه الحسن كما في تاريخ بغداد وقال ابن اخيه اسماعيل ان اسم دعبل عبد الرحمن انما لقبته دايته بدعبل لدعابة كانت فيه فارادت ذعبل فقلبت الذال دالا.

ويكنى دعبل أبا على عند أبى الفرج والخطيب البغدادي وابن عساكر وأبا جعفر عند محمد بن أيوب والمشهور الأول .
أصل كلمة دعبل لقب وهو بكسر أوله وثالثه وسكون المهملة بينهما وآخره لام وهو اسم الناقة الشارف ويقال أيضا للشئ القديم .
وقال ابو الفرج الاصفهاني ان الدعبل هو الناقة التي معها ولدها أيضا : البعير المسن .
وعن لسان دعبل قال : كنت جالسا مع بعض أصحابنا ذات يوم فلما قمت سأل رجل لم يعرفني أصحابنا عنى فقالوا : هذا دعبل فقال : قولوا في جليسكم خيرا كأنه ظن اللقب شتما . وايضا عن دعبل قال : صرع مجنون مرة بحضرتي فصحت في آذنه ثلاث مرات دعبل فآفاق.


مولده :
ولد دعبل سنة 148 هـ وهو الأرجح وقيل ولد سنة 142 هـ أصله من الكوفة ويقال انه من قرقيس وأقام ببغداد.

صفته :
في تاريخ بغداد بسنة عن أبى بكر احمد احمد بن القاسم اخى آبى الليث الفرائضي : كان دعبل بن على اطراوشا وكان في قفا سلع وفي راوية : في عنفقته .
وفي الأغاني بسنده : نظر دعبل يوما في المرآة فجعل يضحك وكان في عنفقته سلعة فقلت له من اى شئ تضحك قال نظرت إلى وجهي في المرآة ورأيت هذه السلعة التي في عنفقتى فذكرت قول الفاجر أبى سعد :
وسلعة سوء به سلعة
ظلمت أباه فلم ينتصر
والعنفقة: هي ما نبت على الشفة السفلى من الشعر .

معرفته باللغة وقدرته على الشعر :
يعد دعبل من حملة الادب والتأريخ والعارفين بايام العرب وحسبنا دليل على ذلك ما نسب اليه من كتب تدل على ذلك نحو كتاب الواحدة في مناقب العرب ومثالبها وكتابه طبقات الشعراء وشعره الرائق المنسجم الذي سار مسير الصبا واستشهد به ارباب اللغة وافذاذ الادباء.
في الأغاني بسند عن محمد بن زكريا بن ميمون الفرغاني : سمعت دعبل بن على يقول في كلام جرى ( ليسك ) فأنكرته عليه فقال : دخل زيد الخيل على النبي صلى الله عليه وآلهوسلم فقال له يا زيد ما وصف لي رجل الا رأيته دون وصفه ليسك يريد غيرك . و كان جذابا في حديثه فالرشيد عندما سمع شعر دعبل استحسنه وأرسل اليه عشرة آلاف درهم وخلعة من ثيابه ومركبا من مراكبه قبل آن يراه. وفي تاريخ دمشق ورد عن محمد بن يزيد النحوي انه قال كان عبد الله فصيحا و اراد دعبل. وكان محمد بن القاسم بن مهرويه يقول سمعت ابي يقول ختم الشعر بمسلم وقال البحتري دعبل بن علي اشعر عندي من مسلم بن الوليد.
أساتذته :
في تاريخ دمشق انه حدث عن المأمون ومالك بن انس ويقال انه حدث عن يحيى بن سعيد الأنصاري وشعبة بن الحجاج وسفيان الثوري وسالم بن نح ومحمد بن عمر الواقدي وجماعة سواهم . ومن مشايخه في الأدب مسلم بن الوليد تخرج عليه وتعلم منه . وفي لسان الميزان له رواية عن على بن موسى الرضا عليه السلام والواقدي والمأمون و ويقال إن له رواية عن شعبة والثوري .

وعن عمرو بن مسعدة قال : حضرت أبا دلف عند المأمون وقد قال له المأمون أبي شئ تروي لأخي خزاعة يا قاسم ؟ ! فقال : وأي أخي خزاعة يا أمير المؤمنين ؟ ! قال : و من تعرف فيهم شاعرا ؟ ! فقال : أما من أنفسهم فأبو الشيص ودعبل وابن أبي الشيص وداود بن أبي رزين ، وأما من مواليهم فطاهر وابنه عبد الله . فقال : ومن عسى في هؤلاء أن يسئل عن شعره سوى دعبل ؟ ! هات أي شئ عندك فيه .
وقال الجاحظ : سمعت دعبل بن علي يقول : مكثت نحو ستين سنة ليس من يوم ذر شارقه إلا وأنا أقول فيه شعرا .
ولما أنشد دعبل أبا نواس شعره :
أين الشباب ؟ ! وأية سلكا ؟ !
لا أين يطلب ؟ ! ضل بل هلكا
لا تعجبي يا سلم من رجل
ضحك المشيب برأسه فبكى
فقال : أحسنت ملاء فيك وأسماعنا .
قال محمد بن يزيد : كان دعبل والله فصيحا وهناك كلمات ضافة حول أدبه والثناء عليه لا يهمنا ذكرها . أخذ الأدب عن صريع الغواني مسلم بن الوليد واستقى من بحره وقال : ما زلت أقول الشعر وأعرضه على مسلم فيقول لي : اكتم هذا حتى قلت :
أين الشباب ؟ ! وأية سلكا ؟ !
لا أين يطلب ؟ ! ضل بل هلكا
فلما أنشدته هذه القصيدة قال : إذهب الآن فأظهر شعرك كيف شئت لمن شئت .
وقال أبو تمام : ما زال دعبل مائلا إلى مسلم بن وليد مقرا بأستاذيته حتى ورد عليه جرجان فجفاه مسلم وكان فيه بخل فهجره دعبل وكتب إليه :
أبا مخلد كنا عقيدي مودة
هوانا وقلبانا جميعا معا معا
أحوطك بالغيب الذي أنت حائطي
وأنجع أشفاقا لأن تتوجعا
فصيرتني بعد انتحائك متهما
لنفسي عليها أرهب الخلق أجمعا
غششت الهوى حتى تداعت أصوله
بنا وابتذلت الوصل حتى تقطعا
وأنزلت من بين الجوانح والحشى
ذخيرة ود طالما قد تمنعا
فلا تعذلني ليس لي فيك مطمع
تخرقت حتى لم أجد لك مرقعا
فهبك يميني استأكلت فقطعتها
وجشمت قلبي صبره فتشجعا



تلاميذه :
في تاريخ دمشق روى عنه احمد بن داود ومحمد بن موسى الترمذي وآخوه إسماعيل. ومر آن احمد بن القاسم روى عن قصيدته التائية . والأغاني آنه خرج الفضل بن
العباس جعفر بن محمد بن الأشعث الذي قال أبو الفرج انه ان دعبلا كان مؤدبا
قديما . وفي لسان الميزان روى عنه أخوه على بن على ئ ولم يذكر رواية أخيه
إسماعيل عنه . وقد مر عن النجاشي انه يروى عنه موسى بن حماد اليزيدي . وعن جامع
الرواة أنه نقل رواية على بن الحكم عنه في باب مولد أبى جعفر الثاني عليه السلام
من الكافي .
مؤلفاته :
- كتاب طبقات الشعراء.
- كتاب الواحدة مثالب العريب ومناقبها.
- ديوان شعر .




ديوان شعره :
لشاعرنا دعبل شعر كثير مجموع في ديوان . وقد كان هذا الديوان مشهورا في العصور السابقة ولكن الديون الان مفقود كما فقد غيره من نفائس الدواوين الشعرية . ويدل على كثرة شعره ما ذكر صاحب الأغاني عن هاشم بن محمد الخزاعي وعن الجاحظ عن دعبل :مكثت نحو ستين سنة ليس من يوم ذر شارقة الا وآنا أقول فيه شعرآ .
وقد نظم في جميع فنون الشعر . ومن الأسباب التي أدت إلى اتلاف ديوان دعبل و اضطهاده لمهاجته الخلفاء والحكام .
ولهذا نرى شعر دعبل مششتا في صفحات الكتب الأدبية منها والتاريخية . وأشهر قصائد تلك التي مدح فيها أهل البيت عليهم السلام والتي تعرف بالتائية مطلعها :
مدارس آيات خلت من تلاوة
ومنزل وحى مفقر العرصات
ولم يبق أديب أو مؤرخ أو شاعر الا وذكر بعضا من أبياتها .
وفى الأغاني ( قصيدته مدارس آيات . . . ) من أحسن الشعر وفاخر المدائح المقولة في أهل البيت عليهم السلام وكتبها فيملا يقال على ثوب واحرم فيه وامر ان يكون في أكفانه .

اراء المؤرخين والمترجمين فيه:
نال دعبل حضا كبيرا في مدونات المؤرخين واصحاب التراجم ومدحه اكثرهم وترجموا له فمن اولئك الذين ترجموا له :
ابن حجر في لسانه: هو دعبل بن على بن رزين بن سليمان الخزاعي أبو على الشاعر المشهور من الكوفة وتعاطى في أول امره الأدب حتى مهر فيه وقال الشعر الفائق .

ابن خلكان : كان شاعرا مجيدا الا انه كان بذىء اللسان مولعا بالهجو هجا الخلفاء فمن دونهم وطال عمره فكان يقول : لي ثلاثون سنة احمل خشبتى على كتفي ما أجد من يصلبنى عليها .

أبو الفرج الاصفهاني في أغانيه: شاعر متقدم مطبوع هجا خبيث اللسان لم يسلم عليه أحد من الخلفاء ولا من وزرائهم ولا أولادهم ولا ذو نباهة أحسن اليه أو لم يحسن ولا أفلت منه كبير أحد وكان من الشيعة المشهورين بالميل إلى علي صلوات الله عليه ولم يزل مرهوب اللسان وخائفا من هجائه للخلفاء فهو دهر كله هارب متوار .
الخطيب البغدادي في تاريخه: أصله من الكوفة ويقال من قرقيسيا – وكان ينتقل في البلاد واقام ببغداد مدة ثم خرج منها هاربا من المعتصم لما هجاه عاد إليها بعد ذلك وكان خبيث اللسان قبيح الهجاء وقد روى عنه أحاديث مسندة عن مالك بن انس وغيره وكله باطلة .

الحموي في معجمه: شاعر مطبوع يقال ان أصله من الكوفة وقيل من قرقيسيا وكان أكثر مقامه ببغداد وسافر إلى غيرها من البلاد فدخل دمشق ومصر . وكان هجاء خبيث اللسان لم يسلم منه أحد من الخلفاء والوزراء ولا أولادهم ولا ذو نباهة أحسن اليه أم لم يحسن وكان بينه وبين الكميت بن زيد وأبى سعد المخزومي مناقضات وكان من مشاهير الشيعة .


هجاء دعبل:
كان للهجاء مع دعبل مسيرة درب طويلة رافقته حتى آخر لحظات حياته إلى حد كان صفته البارزة هجاؤه مقذع كما وصفه ابن خلكان بذىء اللسان مولعا بالهجو هجا الخلفاء فمن دونهم وطال عمره فكان يقول : لي ثلاثون سنة احمل خشبتى على كتفي ما أجد من يصلبنى عليها .
ففي الاغاني قال:بلغ إسماعيل بن جعفر بن سليمان ان دعبلا هجاه فتوعده بالمكروه وشتمه وكان إسماعيل بن جعفر على الأهواز فهرب من زيد بن موسى بن جعفر بن محمد عليهم السلام لما ظهر و بيض في أيام أبى السرايا فقال دعبل بن على يعيره :
لقد خلف الأهواز من خلف ظهر
يريد وراء ازاب من ارض كسكر.
يهول إسماعيل بالبيض والقنا
وقد فر من زيد بن موسى ين جعفر
وعاينته في يوم خلى حريمه
فيا قبحها منه ويا حسن منظر.
وكسكر كورة واسعة أي بلد كما في معجم البلدان للحموي.
وفي الاغاني ايضا عن احمد بن أبى كامل قال :كان دعبل ينشدنى كثيرا هجاء قاله فأقول له : فيمن هذا فيقول ما استحقه أحدا بعينه بعد وليس له صاحب فإذا وجد على رجل جعل ذلك الشعر فيه وذكر اسمه في الشعر.

وفي الاغاني كان دعبل قد مدح محمد بن عبد الملك الزيات فأنشده ما قاله فيه وفى يده طومار وقد جعله على فمه كالمتكىء عليه وهو جالس فلما فرغ امر له بشئ لم يرضه
فقال يهجوه :
يا من يقلب طومارا ويلثمه
ماذا بقلبك من حب الطوامير
فيه مشابه من شئ تسر به
طولا بطول وتدويرا بتدوير
لو كنت تجمع أموالا كجمعكها
إذا جمعت بيوتا من دنانير

وقيل لابن المعتز او للوزير ابن الزيات لم لا تجيب دعبل عن قصيدته التي هجاك فيها فقال ان دعبلا جعل خشبته على عنقه يدور بها يطلب من يصلبه عليها منذ ثلاثين سنة وهو لا يبالي .
ومن هجاءه وتقريعه بالرشيد العباسي بعد وفاة الامام الرضا عليه السلام ودفنه ازاء قبر الرشيد فقال يهجوه :
قبران في طوس خير الناس كلهم ُ
وقبر شرهم ُ هذا من العبر
ما ينفع الرجس من قبر الزكي ولا
على الزكي بقرب الرجس من ضرر
وقال في بني العباس :
ارى امية معذورين ان غدروا
ولا ارى لبني العباس من عذر
قتل وأسر وتحريق ومنهبة
فعل الغزاة بارض الروم والخزر
ولما بويع ابراهيم بن المهدي العباسي اخو هارون الرشيد وكانت امه شكله جارية سوداء ، وكان ابراهيم مولعا لسواده وسمنه يقال له التنين ، وكان مغنيا مولعا بضرب العود بويع له سنة 202 بالخلافة في بغداد ولما مسك ازمة الخلافة قل المال عنده واحتبس العطاء منه فجعل ابراهيم يسوّف الناس بالمال ولا يرون لذلك حقيقة ، الى ان اجتمعوا يوما فخرج اليهم الرسول من عند ابراهيم وصرح لهم انه لا مال عنده ، فقال قوم من غوغاء بغداد : فان لم يكن المال فاخرجوا خليفتنا وليغني لاهل هذا الجانب ثلاثة اصوات ولاهل ذلك الجانب ثلاثة اصوات فيكون عطاءا لهم وبذلك انشد دعبل:
يامعشر الاجناد لا تقنطوا
خذوا عطاياكم ولا تسخطوا
وسوف يعطيكم حنينية
يلذها الامرد والاشمط
والمعبديات لقوادكم
لاتدخل الكيس ولا تربط

وقال دعبل في هجاء ابراهيم ايضا :
نعر ابن شكلة بالعراق واهله
فهفا اليه كل اطلس مائق
ان كان ابراهيم مضطلعا بها
فلتصلحن من بعده لمخارق
ولتصلحن من بعد ذاك لزلزل
ولتصلحن من بعده للمارق
انى يكون وليس ذاك بكائن
يرث الخلافة فاسق عن فاسق
فروي انه دخل ابراهيم على المأمون فشكا اليه حاله وقال له ان الله سبحانه وتعالى فضلك في نفسك علي والهمك الرأفة والعفو عني والنسب واحد وقد هجاني دعبل فانتقم لي منه ، فقال المأمون وما قاله لعله قوله : نعر ابن شكلة بالعراق ... وانشد الابيات ، فقال هذا بعض هجاءه ولقد هجاني بما هو اقبح من ذلك ، فقال المأمون لك اسوة بي فقد هجاني واحتملته وقال في:
أيسموني المأمون خطة جاهل
أوما رأى بالامس رأس محمد
اني من القوم الذين سيوفهم
قتلت اخاك وشرفتك بمقعد
شادو بذكرك بعد طول خموله
واستنقذوك من الحضيض الاوهد
وقال دعبل في المعتصم العباسي :
ملوك بني العباس في الكتب سبعة
ولم تأتنا عن ثامن لهم كتب
كذلك اهل الكهف في الكهف سبعة
خيار اذا عدوا وثامنهم كلب
واني لاعلي كلبهم عنك رفعة
لانك ذو ذنب وليس له ذنب

وهكذا كان دعبا من الهجائين والمقارعين لخلفاء عصره وامراءهم بهجاءه وليس يألوا جهدا في ذلك ولا يأبه من سطوتهم لان حمل خشبته على كتفه .



مقتل دعبل :
ثمة رويتان حول مقتل دعبل تحدثنا الاولى ان المعتصم العباسي لما بلغه هجاء دعبل وتشبيهه بكلب اصحاب الكهف في الابيات آنفة الذكر أهدر دمه فهرب دعبل الى طوس حتى قتل فيها صبرا.
وتقول الرواية الاخرى بانه هجا ابن طوق التغلبي فاغتيل بسبب ذلك في شوش فطويت عند ذلك صفحة من اورع صفحات سفر الادب والشعر العربي


قصيدته التائية الخالدة :
واخترنا من شعره الرائق المنسجم ابياتا من قصيدته التائية:
تجاوبن بالارنان والزفرات
نوائح عجم اللفظ والنطقات
يخبرن بالأنفاس عن سر أنفس
أسارى هوى ماض وآخر آت
فأسعدن أو أسعفن حتى تقوضت
صفوف الدجى بالفجر منهزمات
على العرصات الخاليات من المها
سلام شج صب على العرصات
فعهدى بها خضر المعاهد مألفا
من العطرات البيض والخفرات
ليالي يعدين الوصال على القلى
ويعدى تدانينا على الغربات
وإذ هن يلحظن العيون سوافرا
ويسترن بالأيدي على الوجناب
وإذ كل يوم لي بلحظي نشوة
يبيت لها قلبي على نشوات
فكم حسرات هاجها بمحسر
وقوفي يوم الجمع من عرفات
ألم تر للأيام ماجر جورها
على الناس من نقص وطول شتات
ومن دول المستهترين ومن غدا
بهم طالبا للنور في الظلمات
فكيف ومن انى يطالب زلفة
إلى الله بعد الصوم والصلوات
سوى حب أبناء النبي ورهطه
وبعض بنى ازرقاء والعبلات
وهند وما أدت سمية وابنها
الكوافر في الاسلام والفجرات
هم نقضوا عهد الكتاب وفرضه
ومحكمه بالزور والشبهات
ولم تك إلا محنة كشفتهم
بدعوى ضلال من هن وهنات
تراث بلا قربى وملك بلا هدى
وحكم بلا شورى بغير هداة
رزايا ارتنا خضرة الأفق حمرة
وردت أجاجا طعم كل فرات
ولو قلدوا الموصى اليه زمامها
لزمت بمأمن من العثرات
أخا خاتم الرسل المصفى من القذى
ومفترس الأبطال في الغمرات
فإن جحدوا كان الغدير شهيده
وبدر وأحد شامخ الهضبات
واي من القران تتلى بفضله
وإيثاره بالقوت في اللزبات
وغر خلال أدركته بسبقها
مناقب كانت فيه مؤتنفات
مناقب لم تدرك بكيد ولم تنل
بشئ سوى حد القنا الذربات
نجى لجبريل الأمين وأنتم
عكوف على العزى معا ومناة
بكيت لرسم الدار من عرفات
وأذريت دمع العين بالعبرات
وفك عرى صبري وهاجت صبابتى
رسوم ديار اقفرت وعرات
مدارس آيات خلت من تلاوة
ومنزل وحى مقفر العرصات
لآل رسول الله بالخيف من منى
وبا لركن والتعريف والجمرات
ديار على والحسين وجعفر
وحمزة والسجاد ذي الثفنات
ديار لعبد الله والفضل صنوه
نجى رسول الله في الخلوات
منازل وحى الله ينزل بينها
على احمد المذكور في السورات
منازل قوم يهتدى بهداهم
فتؤمن منهم زلة العثرات
منازل كانت للصلاة وللتقى
وللصوم والتطهير والحسنات
منازل جبريل الأمين يحلها
من الله بالتسليم والرحمات
منازل وحى الله معدن علمه
سبيل رشاد واضح الطرقات
ديار عفاها جور كل منابذ
ولم تعف للأيام والسنوات
فيا وارثى علم النبي وآله
عليكم سلام دائم النفحات !
قفا نسأل الدار التي خف أهلها
متى عهدها بالصوم والصلوات
وأين الأولى شطت بهم غربة النوى
أفانين في الآفاق مفترقات
هم أهل ميراث النبي إذا اعتزوا
وهم خير سادات وخير حماة
مطاعيم في الاعسار في كل مشهد
لقد شرفوا بالفضل والبركات
وما الناس الا حاسد ومكذب
ومضطغن ذو إحنة وترات
إذا ذكروا قتلى ببدر وخيبر
ويوم حنين أسيلوا العبرات
وكيف يحبون النبي ورهطه
وهم تركوا أحشاءهم وغرات
لقد لاينوه في المقال وأضمروا
قلوبا على الأحقاد منطويات
فإن لم تكن إلا بقربى محمد
فهاشم أولى من هن وهنات
سقى الله قبرا بالمدينة غيثه
فقد حل فيه الأمن بالبركات
نبي الهدى صلى عليه مليكه
وبلغ عنا روحه التحفات
وصلى عليه الله ما ذر شارق
ولا حت نجوم الليل مبتدرات

الخاتمة :

خلال استقراءنا للبحث الذي بين ايدينا الذي سلطنا الضوء فيه على احد عباقرة شعراء العصر العباسي الذي فرد الادب العربي بشقيه الشعر والنثر فله شعره الرائق الرائع السهل الممتنع وهذا لا نحتاج فيه الى برهنة فشعره بين ايدينا تلهج به الالسن وتتناقله طيات الكتب ويستشهد به في في اثبات المعاني الالفاظ ومواد اللغة ، وهذا يثبت باع دعبل الطويل في اقتناص المعاني وسبكها بقوالب تأخذ بلب السامع ، واما الشق الثاني من الادب فقد روي ان لدعبل مؤلفات في النثر مثل كتاب طبقات الشعراء كتاب الواحدة مثالب العريب ومناقبها , وعرفنا ان دعبل كان ناقما على امراء عصره و اشتهر بهجاءهم فكان البعض يتجنبه وكان البعض يطلبه ليفتك به حتى اودى ذلك به ، الى جانب ذلك لم يعر كل من ناوءه وترصده وتطلبه اهتماما حتى اطلق مقولته انه يحمل خشبته ليجد من يصلبه عليها ، هذا يدل ما كان عليه دعبل من ثبات على افكاره وطريقه السائر به وبسالته وشجاعته وكبر نفسه وعزته . هكذا كان دعبل بن علي الخزاعي شاعرا مفكرا تخشاه الخلفاء لهجاءه وتحبه الناس شعره لسهولته وتعظمه العلماء لتضلعه بالادب .