لماذا يعوذ الإسلاميون بالله من كلمة العَلمانية ؟
الجزء الأخير
يعتقد الاخوة الإسلاميين جازمين , ان المستقبل لهم , وليس للنظام
العَلماني , في الوقت الذي تراهم منشدين بقوة الى الماضي , لا بل يستحضرون
ادواته البالية و المتخلفة , عاقدين العزم على أن يبنوا فيها اركان
المستقبل المتطور , في الوقت الذي تؤشر كل معطيات التطور الاقتصادي
والاجتماعي والعلمي والفكري والنفسي , على ان المستقبل , يتطلب نظام غير
منحاز لدين سماوي معين , وإنما يرعى كل الديانات ويمنع المساس بأيً منها ,
ويضع نصب العين , وفي المقام الأول , وحدة وتجانس المجتمع , والعيش المشترك
لكل أبنائه . في الحال يرفض تطور الحياة البشرية , نظام الدولة المنحاز
لدين معين , فقد ادانته وقائع الحياة , ولفضته الشعوب , وغادر مسرح الحياة
غير مأسوف عليه, وبات شيء من تراث العالم .
أما هستيريا الإسلام
السياسي , وتكفير العَلمانية والعلمانيين ,فهوَ ليس دفاعاً عن الدين ,
وإنما محاولة لأبعاد الجماهير عن القوى الوطنية واليسارية , وتلك الجهود
تندرج في مساعي الاحزاب الدينية للوصول للحكم , والتي هي مساعي دنيوية ,
لا علاقة لها لا من قريب ولا من بعيد برغبة الرب الخالق في ذلك , حتى وان
اجهدت احزاب الإسلام السياسي نفسها , في ان تبرقع مساعيها ببرقع القداسة
والإرادة السماوية , لا تتمكن من ان تدخل في روع الناس , عدم شراهتها
ورغبتها الجامحة , للجلوس على كرسي الحكم , والاغتنام من المال العام ,
وهذا ما اكدته سيرة الأحزاب الإسلامية الحاكمة في تونس ومصر وتركيا والعراق
وغيرها , لا بل اكدت التجربة ان اكثر الأنظمة السابقة , هي اقل فساداً
وأكثر رحمة بشعوبها , من الأنظمة التي تدعي الورع والتقوى , والذي يقود
حكمها احزاب الإسلام السياسي , الذي نسى وعده للرب ولأنصاره ومريديه ,في ان
يطبق شريعة المولى تعالى {الشريعة الإسلامية } ولتهى بجمع المال الحرام ,
واغتنام ما امكن من اموال الشعب , حيث وجد حضوره طاغياً في التحكم بمقدرات
الدول التي يقودها , بيد ان هذا الحضور الطاغي , للإسلام السياسي هوَ بداية
النهاية بعد ان ترك مداراته الروحية , وهبط في ميدان الصراع حيث اناخ
بكامل ثقله وضلهُ الثقيل على المجتمع , مما حتم التصادم معَ قيم الشعوب
الجديدة , وفي خضم هذا التصادم والصراع , تنمو مبررات , النقد المتبادل حيث
تنتقد قوى الإسلام السياسي النافذة في الحكم , سلوك وأفكار الشرائح
الاجتماعية والأحزاب اليبرالية ,وتعتبر ذلك خروجاً على تعاليم الدين ,
الأمر الذي يدفع الأخيرة ان تدافع عن نفسها بتوجيه النقد للوسائل والأساليب
الدينية وصولاً لنقد التعاليم الدينية , وكلما يتطور المجتمع ويتراكم
الوعي وتظهر قيم اجتماعية جديدة تشتد وتيرة الصراع بين الفريقين , وتأخذ
اشكال منها فئوية وقومية وعفوية , لاسيما قضية المرأة التي تكوّن نصف
المجتمع عندما تتأكد ان الثقافة الإسلامية تنال منها وتقوض وجودها , فأنها
لا تلتزم الصمت , خصوصاً وان لها انصار كثيرين في المجتمع , ايضاً ستجد
الأقليات الدينية نفسها منخرطة في تيار النقد الديني , ليصبح الخوض في
التراث الديني , على ارضية المصالح وليس ترفاًً ثقافياً في محافل المثقفين
وحسب , وإنما شاع وذاع وبات عنصراً فاعلاً من عناصر الصراع الاجتماعي ,
يتجلى تأثيره في ملمح ثقافي ناقد لسياسة الأحزاب والقوى الإسلامية ,
والحاكمة منها خصوصاً . وبقدر تطور ذلك الملمح الثقافي الذي يعتمد
البراهين العلمية في جدله مع الاخر في حلبة الصراع الاجتماعي , بقدر ما
يتطور فعله في ميدان السياسة , حتى يتمظهر على شكل احتجاجات ومظاهرات
وإضرابات واعتصام وغير ذلك من الفعاليات الجماهيرية التي تقوض تدريجياً
جهود وأفكار الإسلام السياسي , وتجبره على الاذعان لمشيئتها في فصل الدين
كداعم وساند ومُبرّر لسياسة السلطة , ليواجه رجلها مصيرهم في مسائلة الشعب
لهم , ويوم ذاك سيجدون انفسهم في حال لا تختلف كثيراً , عن حال القساوسة
ورجال الكنيسة ومحاكم التفتيش قذرة السمعة , حيث تُرغم عموم التيارات
الإسلامية ,على حرق كل زوارق العودة للحكم , وتتحول إلى شيء من التراث .