Share on facebook
Share on favorites
Share on google
Share on twitter
More Sharing Services
قال عني اليوم أحد النقاد الأدبيين في دار للنشر وعلى مسمعي بأنني شاطر في
الحديث عن المرأة وبأن سبب إقبال الناس على كتاباتي في النت وفي الحوار
المتمدن وفي غير ذلك هو بسبب كثرة كتاباتي عن المرأة, وفي الحقيقة وفي
الواقع لم أستهجن هذا الحديث ولم يكن بالنسبة لي غريبا ذلك أن غالبية
كتاباتي عن المرأة لأنني في مجتمع لا يمكن أن أتخيل أي قضية به إلا والمرأة
محورها الهام والأساسي أو أن تكون المرأة هي محور مُخيلة الرجل, ودعوني
أروي لكم بعض مشاهداتي حين عملت سنة 2004م في مصنع صيني للخياطة حيث هناك
كانت المرأة محور اهتمام العمال والمهندسين والسائقين والأمن والحرس
والشرطة ومكتب العمل والزوار القادمين من دول مختلفة ولا يمكن أن أتخيل أي
موضوع يفتحه أي عامل إلا والمرأة محوره الأساسي فإذا تحدثنا عن المصنع
المجاور لنا فإن الحديث يبدأ بالبنات العاملات في المصنع ويختلف المتحدثون
على أجمل بنت تعمل في المصنع وغالبا ما ينسج عن العاملات قصص وحكايات ليست
صحيحة وإنما من نسيج خيال رجل مكبوت جنسيا وعاطفيا وأذكر مرة بأن رأيت شابا
يتحدث مع بنت جميلة بعض الشيء وحين فرغ من الحديث معها عاد لي ومن دون أن
أسأله أي شيء وسرد لي قصصاً وحكاياتاً ووقائع مثيرة وحركات فعلتها معه تعجز
عن أدائها (سلمى الحايك) فقلت له: هل حصل ذلك معك أم تتمنى لو حصل؟, فصمت
الشاب وقال لي: أنا مش كذاب, فقلت له مقاطعا: أعرف بأنك مش كذاب وأعرف بأنك
تريد أن تهرب من الواقع المؤلم لتفرح نفسك بقبضة شفاهها وةبما أنه لم يحصل
لك ولم تسمح لك فإنك خلقت الحكاية لتشعر بالمتعة.
ونحن مغادرون
العمل إلى منازلنا لا بد أن تظهر أمامي مخيلة أحد المغادرين ليحدثنا أحد
العمال في نفس الباص عن قصة واقعية حدثت معه أو عن قصة غير واقعية أو إذا
قلنا الصحيح تكون القصة نصفها أو 90% من أحداثها من نسج خياله رتبها كيفما
يشاء هو وأخرجها على طريقته الخاصة فإن كان يحلم بامرأة تحبه فإنه يبدأ
بسرد أحداث رواية من نسج خياله يقول فيها بأنه ذات يوم وأثناء استراحة
العمال والشغيلة انفرد ببنت حلوة بين كراتين التغليف وأحيانا يسمي إسمها
لنا فيقول (فلانه ابتعرفوها؟) فيرد الجميع : عن جد فلانه؟ ومن ثم يتجمهرون
حوله وهو يتحدث وكأنهم يتجمهرون حول مدفأة في يوم شديد البرد أو كأنهم
يلتفون حول طاولة للطعام ويبدأ بالسرد أو بالتخيل والكل مستمتع للهروب من
الألم ونحن نعلم بأن القصة التي رواها ليست صحيحة وإن كانت صحيحة فإنها لم
تكن بهذا المستوى العالي من الجنون الفني وبهذا المستوى العالي من الإخراج
طبعاً والكل يستمع وآذانهم صاغية وأفواههم مفتوحة من شدة الدهشة وبالتالي
نحن أمام شخصية تحلم وتتمنى لو حصل معها ما يتخيله ويتوهمه ونحن أمام مجتمع
لا يمكن أن يتخيل العالم إلا امرأة ذلك أنه مكبوت جنسيا ومحبط وبداخله
انكسار كبير من الشعور يحاول أن يعوض انكسار شعوره بحكاية من نسج خياله
وأوهامه.
ولا يمكن أن أتخيل أي قصة وفيها عقدة وحُبكة أن تكون تلك
الحُبكة والعُقدة دون أن تكون المرأة العربية هي سبب العقدة وسبب الحبكة,
ولا يمكن أن أتخيل أي رواية دون أن تكون المرأة هي الحديث الطويل والشيق
عند الراوي وعند شخصيات الرواية, ولا يمكن أن أتخيل أي مكان يوجد به حديث
عام إلا وأجد المرأة بداية أي موضوع ونهاية أي موضوع والناس في حارتنا
وقريتنا وهم يتحدثون عن أي موضوع لا بدّ أن تكون المرأة هي محور التركيز
والاهتمام المبالغ فيه, وأحيانا أي موضوع نفتحه للنقاش العام تكون المرأة
في بدايته وفي نهايته, فلو تحدثنا عن مباراة برشلونه وخسارة الكتلوني فلا
بد أن يبدأ الحديث عن امرأة رآها الراوي وهي تبكي على خسارة برشلونه أو
خسارة ريال مدريد ومن ثم ينتهي الموضوع بالحديث عن البنات والمشجعات, وإذا
طرحنا موضوع الستلايت والدنقل فإن الغالبية يقولون (أنا صار عندي دنقل
وبشوف أفلام سكس وجنس والليلة البارحة حضرت فيلم حيث نام البطل مع معشوقته
في حوض الاستحمام أو في بركة السباحة وكان الصابون يرغي وله فقاعات ,
وفجأة يختفي الرجل ويظهر ليطل لها برأسه من بين أرجلها فتضحك حين تهرب
ويلحق بها ويمسكها من الخلف ويحتضنها...إلخ, وإذا تركنا هذا الموضوع وطرحنا
موضوعا آخر عن الملابس لتركنا القماش والخيوط والمصانع والأدوات لنتحدث عن
المرأة وحقها في ارتداء ما يناسبها أو لقال أحد الحضور وهذا غالبا ما
يحدث(لو بنتي أو أختي تلبس زي ما كانت لابسه الممثلة الفلانية والله غير
أقتلها كما أقتل النعجة..إلخ) علما أنه في الحقيقة يتمنى لو يحصل على امرأة
من ذاكَ النوع, بدليل أنك حين تسأله شو كانت لابسه؟ فورا يسرد لك حديثا
ممتعا وكأنه قاص أو راوي ليقول لك" كانت تلبس بنطلون جينز ضك وكانت أفخاذها
محصورة ومشدودة وكان شعرها يتطاير في الهواء وكانت تمشي بين الرجال
والغريب أنها مَرت من بين 100زلمه وما حدى تحرش فيها أو انتبه لها...).
في
داخل الرجل العربي انكسار الشعور يظهر من خلال قصصه, كأن يروي لك قصة
ظريفة(كنتُ أعمل في مصنع للقماش أو للخياطة في قسم القص وكانت معي امرأة
متزوجة كنتُ أذهب معها في نهاية كل أسبوع إلى شقة صديقي) وحين تتحقق من
الموضوع في أغلب الأحيان يكون حديثه من نسج خياله ويتمنى لو حصل معه ذلك
وبما أنه لم يحصل فإنه يعوض نقصه وانكسار شعوره في حديثٍ وقصةٍ من نسج ووهم
خياله, والمرأة فعلاً هي فاتحة أي موضوع يتم فتحه للنقاش العام عند كافة
شرائح مجتمعاتنا العربية فإذا قلنا بأن زين العابدين الرئيس المخلوع قد رحل
عن تونس فإن الناس يتركون الحديث عن الرئيس ليفتحوا الباب على مصراعيه
للحديث عن زوجة زين العابدين وكم تملك من المجوهرات ومن الألماس ومن
الأحذية الصيفية والشتوية, وإذا تركنا الحديث عنه لننتقل للحديث عن مصر وعن
حسني مبارك الرئيس المخلوع أو ثاني رئيس مخلوع فإن الحضور يتركون حسني
مبارك وشأنه للحديث عن زوجته وكم تملك من المجوهرات ومن الأرصدة في البنوك,
والمهم أن المرأة في مجتمعاتنا هي فاتحة أي موضوع يتم فتحه فلو تحدثنا عن
الفن والطرب وتركنا السياسية للسياسة فإن الحضور أبدا ما ينفكون وهم
يتحدثون عن نانسي عجرم وهيفا وهبي وأليسا وعن مطربات غير شكل وأصوات وأجسام
مغرية وشهوانية, حتى الأنبياء لو تحدثنا عنهم فإن أنظارنا تتركهم مع ألله
ليبدؤوا في الحديث عن زوجة النبي أو زوجات النبي, ويصبح الحديث عن المرأة
أهم من الحديث عن ألله وعن النبي حتى الشيوخ في المساجد إذا تحدث أحدهم عن
النار فإن أول مشهد يصفه لنا يكون عبارة عن امرأة معلقة في سقف جهنم من شعر
رأسها, وإذا تحدث عن الجنة فأول حديثه يكون عبارة عن مشاهد لنساء حوريات
للفقراء وللمعذبين وللصابرين من ضحايا فساد المسلمين, حتى في التلفاز لا
يمكن أن يكون حديث ديني دون أن تكون المرأة في بدايته وفي نهايته, وإذا
عدنا للسياسة يصبح الحديث عن زوجة الرئيس أهم من الحديث عن الرئيس نفسه,
ويصبح الحديث عن المرأة أهم بكثير من الحديث عن الفن والطرب والأدب
والثقافة.
ومن المستحيل وأنا جالس مع الناس في المناسبات العامة أن
يتحدثوا مثلا عن أي موضوع دون أن يقحموا المرأة فيه إقحاما فلو قلنا
مثلا(رئيس البلدية) أو (الوزير) فإن الموضوع يتحول مباشرة للحديث عن زوجة
الوزير أو سكرتيرة الوزير أو سكرتيرة رئيس البلدية) أو الموظفات المتواجدات
في مكتبه, ولو تحدث موظف حكومي عن ما جرى اليوم في عمله من أحداث لقال
(اليوم راجعتني في معاملة بنت بتجنن عشان أساعدها) ولو تركنا الحديث عن
الرؤساء والوزراء والموظفين والموظفات والمراجعين والمراجعات ودخلنا في
موضوع السيارات فإن الموضوع يتحول فورا إلى النساء السائقات للسيارات أو
لتخيل أحدهم منظرا من نسج خياله ولقال لنا (اليوم شُفت واحد صاف سيارته على
جنب الطريق والسيارة كان منظرها من بعيد تهتز فعرفت إنه معاه وحده) وإذا
تحدثنا عن الطائرات لقال أحدهم (الطائرات في عمان يحلقن بالصيف على
ارتفاعات منخفضة على شان يشوفوا النسوان اللي في بِرك السباحه, وكلما رأى
الطيار سيارة تقف في شارع نائي وبعيد فورا يحلق فوقها ليشاهد منظر أرجل
المرأة وهن خارجات من شباك الباب, ولو قال أي حاضر مثلا شو رأيكم في
(الإنترنت) فإن موضوع الإنترنت سرعان ما يتم إغلاقه لتحتل المرأة التي تجلس
أمام شاشة الكمبيوتر الموضوع بأكمله فتسمع الناس يقولون (بناته قاعدات على
الإنترنت والله ما هو زلمه) أو : اليوم حكيت مع صاحبتي على النت أسترالية,
ولو تركنا حديث النت ورجعنا في حديث الرياضة لقال أحدهم بأن استبعاد
اللاعب الفلاني كان بسبب إقباله الكبير على النساء لذلك هو يفقد عن غير عمد
من لياقته.
ولا يخلو أي موضوع نفتحه للنقاش إلا والمرأة هي محوره
الهام, ولا يمكن أن نقول بأننا دخلنا السوق دون أن نقول (اليوم النسوان
فايعات بالسوق أو منتشرات في السوق) ولا يمكن أن نتحدث عن الجامعات وأسلوب
الجامعات في التدريس ودعم البحث العلمي إلا وكانت الطالبة الجامعية هي محور
البحث حتى أننا ننسى الطالب وننسى الأستاذ ونركز في تخيلاتنا كلها على
المرأة ليصنع لنا خيالنا وجبة مسلية أو وجبة مفرحة نفرغ فيها طاقاتنا
المكبوتة, ولا يمكن أن نختم أي حديث إلا وتكون المرأة خاتمته سواء أكان ذلك
في المساجد أو المجالس العادية.