أيها المتعلم:
العلم لا يُنَال إلا بالتواضع وإلقاء السمع، فاحترم معلمك وجلّ
قدره بالتأدب معه في الحديث والإستماع والهيئة، وسوء الأدب معه مروق من
صفات المروءات والأعراف، وزيوغ عن سير الأسلاف. يقول الربيع: ( والله ما
اجترأت أن أشرب الماء والشافعي ينظر إليّ هيبة له ).

واشكره على إرشاده لك وإصلاحه لحالك، فإنه لا يشكر الله من لا يشكر
الناس، ومن مودة المتعلم بمعلمه الاعتذار له، ونسب العتب للنفس، وأحسن إليه
الخطاب، وتلطف في السؤال والجواب، وأحذر المباهاة والمماراة، يقول الزهري:
( كان أبو سلمة يماري ابن عباس فحُرِم بذلك علماً كثيراً ).

واصغ إلى حديث معلمك، ولا تنثني عن الاستفهام فيما أشكل عليك من
علوم الشريعة، فالسؤال عن الدين شرف والنكول عن السؤال والبقاء على الجهل
مهانة، تقول عائشة رضي الله عنها: ( رحم الله نساء الأنصار لم يكن الحياء
يمنعهن أن يتفقهن في الدين ).

واحذر العوائق والآفات من مواصلة سير الطلب، فالحفظ والمدارسة لا
تحمدان بحضرة الشواغل والصوارف، وقي الملهبيات الحضارية المحضورة، والمحطات
الفضائية إشغال للأفكار وعيش في الأوهام وهدر للأوقات، وفي مجانيتها صيانة
الدين وصفاء الأذهان وحفظ الأذهان ومسابقة الأقران، فنزّه سمعك وبصرك عما
يلوّث فكرك ويسيء إلى سلوكك ويفسد أخلاقياتك فتنبذ العلم ثم تعيش في
الحضيض، والرفيق قرين ثانٍ فإن كان صالحاً فقد أعان وإن كانت الأخرى فقد
أفسد، فجانب جليس السوء فهو مفد لعضد الطموح ومرٍد لك في مصارف متأخري
المجتمعات، فغاية البطالين إشغال وتسويف وتأميل.

والزم صحبة الصالحين فنعم العون هم على أمورا لدنيا والدين، وحث
رفقاءك على تحصيل العلم وانصح لهم في الدين، ولا تحسد ذا نعمة على نعمته
بالحفظ والفهم، وسل المُنعم التوفيق دوماً فالعون من الوهّاب لا بالركون
إلى الأسباب.


أيها المعلم:
مسؤولية التعليم عظيمة والأمانة الملقاة على عوائق أهله كبيرة،
فما طريق المعلمين ولا مهمتهم بيسيرة، فقد تحملوا الأمانة وهي ثقيلة،
واستحقوا الأرث وهو ذو تبعات والأمة ترجو منهم جيلاً شديد العزم سديد
الرأي، فأنتم حماة الثغور ومُرَبّوا الأجيال وسُقَاة الغرس وأصحاب رسالة
شريفة، فمعلم الناس الخير يصلي عليه الله وملائكته ويستغفر له كل شيء حتى
الحيتان في جوف البحر والطير في جوف السماء، والمعلم مرشد يتأسى بالأنبياء
في التعليم ويسير على خطى المرسلين، فأخلص النية لله واستحضر فضل العلم
والتعليم في إحياء الشريعة وحفظ معالم الملة، وكن قدوة في الخلق والدين،
وانصح للمتعلم والتعليم، ومن هدي المصطفى رسالة الى المعلم والمتعلم Article_salla
الرأفة بالمتعلم صغيراً أو كبيراً، وحديث بَول الأعرابي في المسجد جليّ في
ذلك، واسعَ إلى تأليف قلوب أبناء المسلمين على البِرّ والتقوى، وأبعِد
عنهم أسباب العداوة، وليكن تأثيرك بالصلاح على طلابك ظاهراً فتأثّر المتعلم
بك قد يربوا على تأثّر الابن بوالده، وكن حليماً في التعليم فالحلم من شيم
الصالحين، واصبر على ما تلاقيه منهم ففي الغراس مشقة وفي القطف أجر
ومثوبة، ولا تحقرنّ أحداً من طلابك ولو ضعف إدراكه وقلّ تحصيله، فبحسب امرئ
من الشر أن يحقّر أخاه المسلم، واعدل بين طلابك في المعاملة والنظرة
والثواب والعقاب، وإياك والظلم والانتصار للنفس، يقول شيخ الإسلام: ( كل من
حكم بين اثنين فهو قاضٍ حتى الذي يحكم بين الصبيان في الخطوط فإن الصحابة
كانوا يعدونه من الحكّام )، وحديث: { القضاة ثلاثة: قاضيان في النار وقاضٍٍ في الجنة }
يدخل فيه المعلم. إن تحصين الطلاب بعلوم الشريعة مطلب شرعي ولو كانت
وجهتهم في التعليم إلى غير العلوم الدينية، فالعلوم الشرعية تضفي على
المتعلم طمأنينة وسعادة وراحة في سني التعليم يقول عز وجل: رسالة الى المعلم والمتعلم Braket_r ألا بذكر الله تطمئن القلوب رسالة الى المعلم والمتعلم Braket_l
[الرعد:28]. ويقبح بالمرء إلمامه بالعلوم الطبيعية وجهله بمسلّمات
الشريعة، وتزداد حاجته إلى علوم الدين مع مصارعته للفتن وتلاطم أمواج
المحن، والمسلم متميز في علومه وسعة أفقه مؤيد بنور الإيمان يربط الدنيا
بالآخرة. وما في الكون بوحدانية الله.


أيتها المعلمة والمتعلمة:
القرار ولزوم البيت للمرأة مطلب شرعي، وخروج المرأة من دارها
للتعليم مشروط بالسير على وفق الضوابط الشرعية، فكوني لأمر ربك معتزة،
فالحجاب عبارة والنقاب منقبة، فجمال المرأة في حشمتها، وبهاؤها في عفّتها،
وكوني داعية إلى الله بالتمسك بالدين، وإياك والولوغ في أعراض المسلمين
غيبة ونميمة واستهزاء، واحذري الكِبر والخيلاء والمباهات، واجعلي مراحل
التعليم زيادة لك في الإيمان، ودروساً حية في إصلاح الأجيال رسالة الى المعلم والمتعلم Braket_r قُل هل يستوي الذين يعلمُونَ والذينَ لا يَعلمُونَ إنما يَتَذَكرُ أُولوا الألبَابِ رسالة الى المعلم والمتعلم Braket_l [الزمر:9].


أيها المسلمون:
آفة العلم الإعجاب والغضب، وحليته الحلم والتواضع، والسعيد من
عرف الطريق إلى ربه وسلكها قاصداً الوصول إليه، وهذا هو الكريم على ربه.
والمحروم من عرف طريقاً إليه ثم أعرض عنها، وجماع الخير أن نستعين بالله في
تلقى العلم الموروث عن النبي عليه الصلاة والسلام، وعلم الحق ما وافق علم
الله، والإرادة الصالحة ما وافقت محبة الله ورضاه، والعلم النافع هو أصل
الهدى، والعمل بالحق هو الرشاد، والضلال العمل بغير علم، والغيّ إتباع
الهوى، ولا ينال الهدى إلا بالعلم، ولا ينال الرشاد إلا بالصبر، وأصل
السيئات الجهل وعدم العلم، والكسل عن الفضائل بئس الرفيق.

فتهيأ إلى أسباب العلم بتنقية النفس من العجز واتّباع الهوى،
والتواضع للعلماء إكرام للنفس من الإهانة، واندم على ما مضى من التفريط،
واجتهد في اللحاق بأهل الفضل والعزائم ما دام في الوقت سعة وفي العمر فسحة.
وفقك الله إلى كل خير وأخذ بيدك.. وسدد خطاك.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد.