غلطة
قصة: أنطون تشيخوف
ترجمة: رافع الصفار
كان إيليا سرغيتش ببلوف وزوجته كليوباترا بتروفنا واقفين عند الباب يصغيان بنهم شره لما يجري في الداخل. على الجانب الآخر، داخل غرفة الجلوس الصغيرة كانت تجري على ما يبدو تفاصيل مشهد غرامي بين ابنتهما ناتاشنكا ومعلم في مدرسة الناحية يدعى شوبكن.
- بدأ ينفعل ويتهيج.
همس ببلوف وهو يفرك كفيه وجسده يهتز جزعا، ثم أضاف محدثا زوجته:
- والآن اسمعيني، حالما يبدآن البوح عن مشاعرهما، ستنزلين الإيقونة من على الحائط، وسندخل عليهما لمباركتهما. هكذا نمسكهما متلبسين، ومنح البركة بالإيقونة مقدس وملزم ولن يستطيع التحرر منها حتى لو ذهب إلى المحكمة.
على الجانب الآخر كان يجري الحوار التالي:
قال شوبكن للفتاة:
- هذا غير صحيح. أنا لم أكتب لك أية رسائل.
أطلقت الفتاة ضحكة هستيرية عالية وهي تقول:
- كأني لا أعرف كتابتك.
وكانت تنظر إإلى نفسها في المرآة وهي تتحدث. أضافت قائلة:
- عرفتها في الحال. يالك من رجل غريب. كيف تكون أستاذا لمادة الكتابة، وتكتب مثل عنكبوت؟! لا أدري كيف تدرِّس الكتابة وأنت تكتب بهذا الشكل السيء.
- هذا لا يعني شيئا على الاطلاق. ليس المهم في دروس الكتابة ما تخطه اليد، بل الأهم هو حفظ النظام داخل الفصل. تضربين أحدهم بالمسطرة، تأمرين آخر أن يركع على قدميه. ثم أن خط اليد ليس بالأمر المعيب. نكراسوف، على سبيل المثال، كاتب مبدع ومرموق، لكن خط يده رديء للغاية.
تتنهد الفتاة وهي تقول:
- لكنك لست نكراسوف...المفضل عندي. أتعرف بأنه كتب لي قصائدا؟
_ أنا أيضا أستطيع أن أكتب لك قصيدة، إذا أردتِ.
- وماذا تستطيع أن تكتب؟
- عن الحب، عن العاطفة، عن عينيك. ستُجنِّين عندما تقرأينها. ستجعل الحجر يبكي. صدقيني لو كتبت فيك قصيدة، ستتركينني أقبل يدك.
- لكن هذا ليس بالشيء المهم. يمكنك أن تقبلها الآن لو أردت.
عندها يقفز شوبكن، وبعينين بليدتين ينحني على كفها الصغيرة الممتلئة، والتي تفوح منها رائحة الصابون الرخيص.
- هيا أنزلي الإيقونة.
همس ببلوف باضطراب، وكان شاحبا من الانفعال. راح بعدها يشبك أزرار سترته وهو ينخس زوجته بكوعه.
- هيا، الآن.
وبدون أدنى تأخير دفع ببلوف الباب مقتحما الغرفة. صاح وهو يفتح ذراعيه ويرمش عينيه التي فاضت منهما الدموع:
- يا ولدي العزيزين، فليبارككما الرب ويجعل فيكما الخصب والنماء والتكاثر.
عندها اندفعت الأم وهي تبكي من السعادة.
- وأنا ابارككما أيضا. أتمنى لكما السعادة ايها الغاليين.
ثم التفتت ناحية شوبكن وقالت:
- إنك تأخذ مني كنزي الوحيد. أَحبَّها، وكن طيبا معها....
فتح شوبكن فمه من الذهول وشدة الصدمة. كان هجوم الوالدين صاعقا ومفاجئا فلم يستطع حتى أن يتفوه بكلمة واحدة. قال لنفسه وهو يغرق في رعبه: "ها قد وقعت في الفخ أيها المسكين. لامفر لك الآن." ثم أحنى رأسه وهو في حالة اندحار كامل.
قال الأب وهو يذرف الدموع:
- هيا سأبارككما. إبنتي، ناتاشنكا... قفي إلى جانبه.
ثم التفت الى زوجته قائلا:
- أعطني الإيقونة.
لكن الأب فجأة توقف عن البكاء، وتشنج وجهه من الغضب. صرخ في زوجته:
- ايتها البلهاء، هل هذه إيقونة؟
نهض الأستاذ وقد أدرك بأنه نجا من الفخ، إذ يبدو أن الأم وهي في حمى ارتباكها سحبت من الجدار صورة (لازتشنيكوف) بدلا من الإيقونة.
كان ببلوف وزوجته واقفين في وسط الغرفة، وهما يمسكان بالصورة لايدريان ماذا يفعلان أو ماذا يقولان. عندها وجد أستاذ الكتابة الفرصة سانحة كي ينسل هاربا من البيت.
قصة: أنطون تشيخوف
ترجمة: رافع الصفار
كان إيليا سرغيتش ببلوف وزوجته كليوباترا بتروفنا واقفين عند الباب يصغيان بنهم شره لما يجري في الداخل. على الجانب الآخر، داخل غرفة الجلوس الصغيرة كانت تجري على ما يبدو تفاصيل مشهد غرامي بين ابنتهما ناتاشنكا ومعلم في مدرسة الناحية يدعى شوبكن.
- بدأ ينفعل ويتهيج.
همس ببلوف وهو يفرك كفيه وجسده يهتز جزعا، ثم أضاف محدثا زوجته:
- والآن اسمعيني، حالما يبدآن البوح عن مشاعرهما، ستنزلين الإيقونة من على الحائط، وسندخل عليهما لمباركتهما. هكذا نمسكهما متلبسين، ومنح البركة بالإيقونة مقدس وملزم ولن يستطيع التحرر منها حتى لو ذهب إلى المحكمة.
على الجانب الآخر كان يجري الحوار التالي:
قال شوبكن للفتاة:
- هذا غير صحيح. أنا لم أكتب لك أية رسائل.
أطلقت الفتاة ضحكة هستيرية عالية وهي تقول:
- كأني لا أعرف كتابتك.
وكانت تنظر إإلى نفسها في المرآة وهي تتحدث. أضافت قائلة:
- عرفتها في الحال. يالك من رجل غريب. كيف تكون أستاذا لمادة الكتابة، وتكتب مثل عنكبوت؟! لا أدري كيف تدرِّس الكتابة وأنت تكتب بهذا الشكل السيء.
- هذا لا يعني شيئا على الاطلاق. ليس المهم في دروس الكتابة ما تخطه اليد، بل الأهم هو حفظ النظام داخل الفصل. تضربين أحدهم بالمسطرة، تأمرين آخر أن يركع على قدميه. ثم أن خط اليد ليس بالأمر المعيب. نكراسوف، على سبيل المثال، كاتب مبدع ومرموق، لكن خط يده رديء للغاية.
تتنهد الفتاة وهي تقول:
- لكنك لست نكراسوف...المفضل عندي. أتعرف بأنه كتب لي قصائدا؟
_ أنا أيضا أستطيع أن أكتب لك قصيدة، إذا أردتِ.
- وماذا تستطيع أن تكتب؟
- عن الحب، عن العاطفة، عن عينيك. ستُجنِّين عندما تقرأينها. ستجعل الحجر يبكي. صدقيني لو كتبت فيك قصيدة، ستتركينني أقبل يدك.
- لكن هذا ليس بالشيء المهم. يمكنك أن تقبلها الآن لو أردت.
عندها يقفز شوبكن، وبعينين بليدتين ينحني على كفها الصغيرة الممتلئة، والتي تفوح منها رائحة الصابون الرخيص.
- هيا أنزلي الإيقونة.
همس ببلوف باضطراب، وكان شاحبا من الانفعال. راح بعدها يشبك أزرار سترته وهو ينخس زوجته بكوعه.
- هيا، الآن.
وبدون أدنى تأخير دفع ببلوف الباب مقتحما الغرفة. صاح وهو يفتح ذراعيه ويرمش عينيه التي فاضت منهما الدموع:
- يا ولدي العزيزين، فليبارككما الرب ويجعل فيكما الخصب والنماء والتكاثر.
عندها اندفعت الأم وهي تبكي من السعادة.
- وأنا ابارككما أيضا. أتمنى لكما السعادة ايها الغاليين.
ثم التفتت ناحية شوبكن وقالت:
- إنك تأخذ مني كنزي الوحيد. أَحبَّها، وكن طيبا معها....
فتح شوبكن فمه من الذهول وشدة الصدمة. كان هجوم الوالدين صاعقا ومفاجئا فلم يستطع حتى أن يتفوه بكلمة واحدة. قال لنفسه وهو يغرق في رعبه: "ها قد وقعت في الفخ أيها المسكين. لامفر لك الآن." ثم أحنى رأسه وهو في حالة اندحار كامل.
قال الأب وهو يذرف الدموع:
- هيا سأبارككما. إبنتي، ناتاشنكا... قفي إلى جانبه.
ثم التفت الى زوجته قائلا:
- أعطني الإيقونة.
لكن الأب فجأة توقف عن البكاء، وتشنج وجهه من الغضب. صرخ في زوجته:
- ايتها البلهاء، هل هذه إيقونة؟
نهض الأستاذ وقد أدرك بأنه نجا من الفخ، إذ يبدو أن الأم وهي في حمى ارتباكها سحبت من الجدار صورة (لازتشنيكوف) بدلا من الإيقونة.
كان ببلوف وزوجته واقفين في وسط الغرفة، وهما يمسكان بالصورة لايدريان ماذا يفعلان أو ماذا يقولان. عندها وجد أستاذ الكتابة الفرصة سانحة كي ينسل هاربا من البيت.