ما زالت أسراب النمل تخرج من جسد حي يحاول أن يفهم كيف لهذا النمل الأحمر يتوالد داخل جسمه الحي دون أن يشعر به من قبل , أكثر من مرة حاول أن يقطع كف رجله اليمنى التي أول ما خرج منها هذا النمل لكنه كان مترددا عسى أن يكون الذي هو فيه مجرد كابوس , أو تنتهي هذه السلالة الوحشية من النمل المستعمر ,حتى تفاجأ أن إبهام أصبع الكف الأيسر قد تشقق عن بيت نمل أخر ,توقفت يده كالمشلول , لم يغد قادرا أن يغامر ,لكن حب البقاء أجبره أخيرا أن يفعلها بعدما كبر القرح وصار يتوسع نحو الكعب ,قطعها كاتما ألم تتفجر منه الصخور, لقد فات الأوان ,النمل صار يخرج من الأوردة كما يخرج سرب الطيور المهاجرة زافات زافات.
كل الذي يتذكره أنه وحينما كان يعمل في الحقل تعرض لحكة بسيطة تجاهلها صباحا لانشغاله بالعمل لكن ما إن وصل البيت حتى وجد أن الحكة ليست كما كان يتصور إنها جرح ظاهر ,أهمل الأمر بعد أن وضع قليلا من الرماد على الجرح كما كان يفعل دائما وأهل القرية التي يسكن فيها, لم تمض ساعة وهو مستغرق بقيلولته حتى شعر أنك هناك شيء غريب يسري بين جسده النصف عاري وثوبه الخفيف ليقفز عاريا عن كتلة النمل الأحمر الذي غطى معظم أجزاءه ,حاوا أن ينتفض ليخلص جسمه من هذه الكتلة الحمراء لكنه وقف مرعوبا حينما شاهد أن هذا النمل يخرج من جسده الهزيل.
نادى على من كان موجود في الدار لم يجد أحد فقد بقى الجميع في الحقب غير البقرة المربوطة وسط حوش الدار ,خرج لينادي على احد الجيران أو من هم بالقرب منه رأي أن البقرة التي سمع خوارها وقد بدا مزعجا ,هي الأخرى تنوء من غزوة النمل أنه ما زال يغطي أجزاء كثيرة من بدنها قد يكون للشعر دور مهم في التغطية على البقية , لكن الخوار زاد من حدة إزعاجه وألمه عليها , عليه أن يتخذ خطوة مهمة ليتخلص هو أولا ويتمكن من إنقاذ البقرة ,ذهب يركض كالمجنون نحو غرفة طينية فيها بعض ما يخزنونه بحثا عن قليل من النفط ,لا لم يجد شيئا ينقذ حاجته حاول أن يبحث عن أي فكرة بذهنه تنجيه من هذا العذاب المفاجئ ,قفزت له فكرة أن يحرق قليلا من الدمن اليابس ليتحول إلى دخان كثيف ويتبخر به كما يفعلون مع أشتداد هجمات البعوض ,في هذه فشل أيضا لا علبة كبريت ولم يجد للنار من طريق عاد لمكانه وهو يحمل سكين تكريب النخل لا يدري ما يفعل به.
أصوات غريبة ومتداخلة بعضها غريب والاخرى يشوبها بعض الخفوت ظن أنها أصوات لكائنات لم يدري من أين جاءت, خرج يتحرى الأمر ويستنجد بأي أحد من المارة ,أذهلته مشاهد الحيوانات التي تكافح للتخلص من هذا النمل ,بعضها قد جف بدنها وتيبست وأخرى تنازع دون حراك إلا من مواء أو نباح يشبه الأنين أما الدجاج والأوزات فقد قضيت لا حراك فيها وما زالت تخرج منها كتل النمل, إنها أشبه بالمجزرة , حاول أن ينادي بأعلى صوته لم تخرج من حنجرته سو همهمات غير مفهومة وواطئة التردد ,عاد أدراجه وقرر أن يقطع كف قدمه الأيسر.
قربت الشمس على أن تنزل من أفقها العالي لتعلن ولادة المساء ومع هذه الولادة التي ينتظرها بفارغ الصبر يكون موعد عودة الجميع من الحقل ,لابد من أنه سيحصل على عود ثقاب ليشعل الدمن الجاف ويتخلص من هذه الكائنات الشريرة ,لكن الدقائق لا تمضي كالمعتاد فقد استنزفتها قوة النمل وكأنها تثقلها بدماء الكائنات الحية هذه لتعرقل من سيرها أو تصطنع لها أعذار كي لا تدور عقارب الساعة ,لم يعد يقوى على النهوض من مكانه النمل يبدو أنه أستنفذ خزين الدم في جسده لكنه لا يبارح المكان حتى الجرذان بدت مشغولة بالهروب من نقمته فهي تتراكض بلا هدف مجرد سعيها لأن ترمي نفسها ببركة الماء المجاورة للبيت.
لا هذا ليس حلما ولم يكن رواية سينمائية إنها تفاصيل واقع قصها جدي عن حكاية سنين الجرب كما كان يسميها ,قد تكون مجرد خيال أو حتى نوع من أنواع القصص الشعبي المتداول قديما بين الناس ليقضوا ساعات الليل الطويل وهم في عزلة تامة عن العالم حيث لا كهرباء ولا اتصالات ولا حتى مذياع إنه عصر أخر الفترة المظلمة كما يسميها قراء التأريخ ,أبدوا أمام جدي وأنا أستمع لتفاصيل هذه الحكاية كالأبله من كثرة تشعباتها والأحداث المؤلمة التي نقلتني إليها طريقته الفذة في السرد إنه يجعلك وكأنك أحد أبطال القصة فتقمصت أنا صورة هذا الرجل الذي لم يعد قادرا أن يتخذ أي قرار بعد أن قطع ساقيه ويده اليسرى أملا بالتخلص من هذه اللعنة التي حلت به وبداره.
كنت أحاججه في كل تفصيل يمر وعلى سرد الأحداث فبعضها لا يوافق العقل ولا يمكنني أن أتصور حدوثها على الواقع لكنني منبهر بالطريقة في الاداء مع وعده لي بأن يأخذني إلى مكان الحدث وهناك البقايا التي تثبت وقائع القصة ,قال أنه بقايا قصر حجري له ملامح كأنه قد سبق عصره بألاف السنين هو أخر ما بقى من وجود لحضارة سابقة قد غزت الفضاء قبلنا وكان لها فن وهندسة وعلم خارق ,إنها الآن تحت الطين والوحل وبين اعواد القصب والبردي تختفي كي لا تدع لأحد أن ينتهك حرمتها أو ينبش ماضيها إنها اللعنة والنقمة التي أودعتها في هذا القصر البقية.
قال لي وهو يصف لي مدينة شاكو حسب ما أقترح أو أسمها الحقيقي لا أعرف ولكنني قبلت بالاسم لأتعرف على باقي الحكاية, إنها في قمة التنظيم والعمارة التي لا تتناسب تأريخيا مع مفردات العلم الذي نراه اليوم ,هذه المدينة ومن خلال أثار القصر الشاخصة لليوم بعد اكثر من خمسة الأف سنه من انهيارها تدل على ابرز ما شهدته من خراب لا يعرف التاريخ للأن تفسير علمي له ,برغم الجهود المحلية التي بذلت منذ أكثر من قرن من الزمان ,لكن اللعنة هي ذات اللعنة, فقد ولا يوحي ما بقى منها بشي فقط مدنية تمتاز بفخامة وأناقة بالطراز المعماري الذي يفصح عن تكنلوجيا راقية وحياة باذخه ترتقي إلى مستوى الحلم ,كيف تنهار بهذه السهولة دون أن يصيبها لا دمار ولا قحط ولا حرب ولا وباء ماحق.
هل هذا الرجل هو من تلك المدينة وأن القصة تعود لألاف السنين وكيف تفسر التناقض بين مفرداتها التي هي قريبة من زمننا ولا أظن أنها تعود لذاك الزمان كالبحث عن عود كبريت مثلا, أمتعض جدي من غباء غير متوقع مني وأبدى أستغر ابه فقطع الحكاية أحتجاجا وراح ينفث دخان سيجارته بعيدا عن وجهه بزفرة أظن أن حرارتها تحرق الورق لو تهيأت الظروف لجدي أن يكتب الحكاية , صبرت قليلا وأنا أتحرق لمعرفة علاقة الرجل بمدينة شاكو.
عدت مع نفسي أستذكر الأحداث لأجد الرابط بين حكاية الرجل الذي أكله النمل وبين خرافة مدينة لم يتم التعرف على قصتها سوى من بقايا أثار قصر قد يكون بزمن ما خارج التاريخ الشعبي وقد يكون له عمر ويتبع حضارة أو زمان ما ,أنا لا أؤمن بالخرافات الشعبية التي تكون دوما من نسيج ذاكرة غارقة في الأوهام تسقط معاناتها مع الزمن أو أحلامها الفاشلة والمتعذرة على واقع تصنعه لتبرر كم هي عاجزة أن تحدث شيء ما يراه الأخرون إنجاز ,أو ذكرى لهم أو حتى بصمة للتأريخ, ولكن لا بأس أن ألعب لعبة الغباء والتغابي لعلي أقضي بعض أيام اجازتي السنوية في عالم الخيال والأساطير , أو لربما أجد شيء أسلي به نفسي.
ما يمنع من أن تكون حكاية الرجل هذه قصة مختلقة من الأساس ولكن شيوعها بين الناس وتكرار سماعي لها مه وجود بقية العائلة البعض منهم ما زال يعيش في المنطقة قد يمنح لها قدرا من الواقعية ,قد تكون تضخمت بالنقل أو قد تلاعبت بها المخيلة الشعبية فغيرت بعض معالمها دون أن يكون لهذه المعالم تلك الجاذبية التي جرفتني وأنا اسمع الحكاية من أكبر الرجال سنا في هذه المدينة التي تحولت من قرية فبل سنين قليلة حتى أن البعض ما زال يصر على أن يسميها سوق العرب.
تحسست في وجه الجد بعض الراحة وبدت عيونه أقل احمرار هذا ما تعودت عليه وأنا طفل تربيت في كنفه بعد فقدان أبي تركتني والدتي في رعايته لأنه بلا أولاد غيرها ,فقد أعيد لجو البيت شيء من الحيوية بوجود من يشغلهم هو وجدتي عن غياب ابنتهم الوحيدة في مدينة بعيدة ولتجبره أيضا أن يزورها بين الحين والحين لتراني , تعودت تماما أن أترجم كل شاردة وواردة من ملامح وجهه وقد أكون أقرب الناس له وأكثرهم فهما لدواخله ,الوحيد الذي يعتقد بأن جدي كان مفكرا وفيلسوفا وشاعرا وأديب من طراز أخر بما يحمله من عمق في التفكير وبساطة في الطرح حتى أن بيتنا في الأيام السالفة قبل اكثر من ربع قرن كان محفلا لكل القصص والحكايات ومقرا لتجمع حكماء المدينة وكبار محدثيها .
لقد فطنت للتو عن سر تلك العلاقة بين الرجل وحكاية المدينة الغارقة في الطين إنها اللعنة التي تركها أهل المدينة في هذا القصر ,
_هكذا أردت أن تقول يا جدي.
نعم إنها اللعنة ... لا تعرف عندما تحل لا تستثني أحد لأنها عمياء لا تسمع ولكنها تشتم الرائحة فقط رائحة الإنسان هي وحدها التي تجذب اللعنات ,لذا فمن الأفضل أن تجعل رائحتك دوما خاصة غير تلك التي تنبعث من جسدك لتكسب ود الأخرين وتبعد عنك اللعنة .
_لكن يا جدي أنت تعرف أنا لا أتعطر وأرى أنها تدل على احتراف التزوير الوجدي كما أني لا أستطيع إلا أن اكون طبيعيا كما خلقني الله وأخيرا أكثر المتعطرين لديهم ميل لكسب القلوب المتطيبة وأنا من صنف أخر.
_أنت حر ولكن لا تدع عطرك يجلب لك اللعنة هذه هي المشكلة عليك أن تفهم أن ليس كل طبيعي هو واجب الإلتزام به.
كل الذي يتذكره أنه وحينما كان يعمل في الحقل تعرض لحكة بسيطة تجاهلها صباحا لانشغاله بالعمل لكن ما إن وصل البيت حتى وجد أن الحكة ليست كما كان يتصور إنها جرح ظاهر ,أهمل الأمر بعد أن وضع قليلا من الرماد على الجرح كما كان يفعل دائما وأهل القرية التي يسكن فيها, لم تمض ساعة وهو مستغرق بقيلولته حتى شعر أنك هناك شيء غريب يسري بين جسده النصف عاري وثوبه الخفيف ليقفز عاريا عن كتلة النمل الأحمر الذي غطى معظم أجزاءه ,حاوا أن ينتفض ليخلص جسمه من هذه الكتلة الحمراء لكنه وقف مرعوبا حينما شاهد أن هذا النمل يخرج من جسده الهزيل.
نادى على من كان موجود في الدار لم يجد أحد فقد بقى الجميع في الحقب غير البقرة المربوطة وسط حوش الدار ,خرج لينادي على احد الجيران أو من هم بالقرب منه رأي أن البقرة التي سمع خوارها وقد بدا مزعجا ,هي الأخرى تنوء من غزوة النمل أنه ما زال يغطي أجزاء كثيرة من بدنها قد يكون للشعر دور مهم في التغطية على البقية , لكن الخوار زاد من حدة إزعاجه وألمه عليها , عليه أن يتخذ خطوة مهمة ليتخلص هو أولا ويتمكن من إنقاذ البقرة ,ذهب يركض كالمجنون نحو غرفة طينية فيها بعض ما يخزنونه بحثا عن قليل من النفط ,لا لم يجد شيئا ينقذ حاجته حاول أن يبحث عن أي فكرة بذهنه تنجيه من هذا العذاب المفاجئ ,قفزت له فكرة أن يحرق قليلا من الدمن اليابس ليتحول إلى دخان كثيف ويتبخر به كما يفعلون مع أشتداد هجمات البعوض ,في هذه فشل أيضا لا علبة كبريت ولم يجد للنار من طريق عاد لمكانه وهو يحمل سكين تكريب النخل لا يدري ما يفعل به.
أصوات غريبة ومتداخلة بعضها غريب والاخرى يشوبها بعض الخفوت ظن أنها أصوات لكائنات لم يدري من أين جاءت, خرج يتحرى الأمر ويستنجد بأي أحد من المارة ,أذهلته مشاهد الحيوانات التي تكافح للتخلص من هذا النمل ,بعضها قد جف بدنها وتيبست وأخرى تنازع دون حراك إلا من مواء أو نباح يشبه الأنين أما الدجاج والأوزات فقد قضيت لا حراك فيها وما زالت تخرج منها كتل النمل, إنها أشبه بالمجزرة , حاول أن ينادي بأعلى صوته لم تخرج من حنجرته سو همهمات غير مفهومة وواطئة التردد ,عاد أدراجه وقرر أن يقطع كف قدمه الأيسر.
قربت الشمس على أن تنزل من أفقها العالي لتعلن ولادة المساء ومع هذه الولادة التي ينتظرها بفارغ الصبر يكون موعد عودة الجميع من الحقل ,لابد من أنه سيحصل على عود ثقاب ليشعل الدمن الجاف ويتخلص من هذه الكائنات الشريرة ,لكن الدقائق لا تمضي كالمعتاد فقد استنزفتها قوة النمل وكأنها تثقلها بدماء الكائنات الحية هذه لتعرقل من سيرها أو تصطنع لها أعذار كي لا تدور عقارب الساعة ,لم يعد يقوى على النهوض من مكانه النمل يبدو أنه أستنفذ خزين الدم في جسده لكنه لا يبارح المكان حتى الجرذان بدت مشغولة بالهروب من نقمته فهي تتراكض بلا هدف مجرد سعيها لأن ترمي نفسها ببركة الماء المجاورة للبيت.
لا هذا ليس حلما ولم يكن رواية سينمائية إنها تفاصيل واقع قصها جدي عن حكاية سنين الجرب كما كان يسميها ,قد تكون مجرد خيال أو حتى نوع من أنواع القصص الشعبي المتداول قديما بين الناس ليقضوا ساعات الليل الطويل وهم في عزلة تامة عن العالم حيث لا كهرباء ولا اتصالات ولا حتى مذياع إنه عصر أخر الفترة المظلمة كما يسميها قراء التأريخ ,أبدوا أمام جدي وأنا أستمع لتفاصيل هذه الحكاية كالأبله من كثرة تشعباتها والأحداث المؤلمة التي نقلتني إليها طريقته الفذة في السرد إنه يجعلك وكأنك أحد أبطال القصة فتقمصت أنا صورة هذا الرجل الذي لم يعد قادرا أن يتخذ أي قرار بعد أن قطع ساقيه ويده اليسرى أملا بالتخلص من هذه اللعنة التي حلت به وبداره.
كنت أحاججه في كل تفصيل يمر وعلى سرد الأحداث فبعضها لا يوافق العقل ولا يمكنني أن أتصور حدوثها على الواقع لكنني منبهر بالطريقة في الاداء مع وعده لي بأن يأخذني إلى مكان الحدث وهناك البقايا التي تثبت وقائع القصة ,قال أنه بقايا قصر حجري له ملامح كأنه قد سبق عصره بألاف السنين هو أخر ما بقى من وجود لحضارة سابقة قد غزت الفضاء قبلنا وكان لها فن وهندسة وعلم خارق ,إنها الآن تحت الطين والوحل وبين اعواد القصب والبردي تختفي كي لا تدع لأحد أن ينتهك حرمتها أو ينبش ماضيها إنها اللعنة والنقمة التي أودعتها في هذا القصر البقية.
قال لي وهو يصف لي مدينة شاكو حسب ما أقترح أو أسمها الحقيقي لا أعرف ولكنني قبلت بالاسم لأتعرف على باقي الحكاية, إنها في قمة التنظيم والعمارة التي لا تتناسب تأريخيا مع مفردات العلم الذي نراه اليوم ,هذه المدينة ومن خلال أثار القصر الشاخصة لليوم بعد اكثر من خمسة الأف سنه من انهيارها تدل على ابرز ما شهدته من خراب لا يعرف التاريخ للأن تفسير علمي له ,برغم الجهود المحلية التي بذلت منذ أكثر من قرن من الزمان ,لكن اللعنة هي ذات اللعنة, فقد ولا يوحي ما بقى منها بشي فقط مدنية تمتاز بفخامة وأناقة بالطراز المعماري الذي يفصح عن تكنلوجيا راقية وحياة باذخه ترتقي إلى مستوى الحلم ,كيف تنهار بهذه السهولة دون أن يصيبها لا دمار ولا قحط ولا حرب ولا وباء ماحق.
هل هذا الرجل هو من تلك المدينة وأن القصة تعود لألاف السنين وكيف تفسر التناقض بين مفرداتها التي هي قريبة من زمننا ولا أظن أنها تعود لذاك الزمان كالبحث عن عود كبريت مثلا, أمتعض جدي من غباء غير متوقع مني وأبدى أستغر ابه فقطع الحكاية أحتجاجا وراح ينفث دخان سيجارته بعيدا عن وجهه بزفرة أظن أن حرارتها تحرق الورق لو تهيأت الظروف لجدي أن يكتب الحكاية , صبرت قليلا وأنا أتحرق لمعرفة علاقة الرجل بمدينة شاكو.
عدت مع نفسي أستذكر الأحداث لأجد الرابط بين حكاية الرجل الذي أكله النمل وبين خرافة مدينة لم يتم التعرف على قصتها سوى من بقايا أثار قصر قد يكون بزمن ما خارج التاريخ الشعبي وقد يكون له عمر ويتبع حضارة أو زمان ما ,أنا لا أؤمن بالخرافات الشعبية التي تكون دوما من نسيج ذاكرة غارقة في الأوهام تسقط معاناتها مع الزمن أو أحلامها الفاشلة والمتعذرة على واقع تصنعه لتبرر كم هي عاجزة أن تحدث شيء ما يراه الأخرون إنجاز ,أو ذكرى لهم أو حتى بصمة للتأريخ, ولكن لا بأس أن ألعب لعبة الغباء والتغابي لعلي أقضي بعض أيام اجازتي السنوية في عالم الخيال والأساطير , أو لربما أجد شيء أسلي به نفسي.
ما يمنع من أن تكون حكاية الرجل هذه قصة مختلقة من الأساس ولكن شيوعها بين الناس وتكرار سماعي لها مه وجود بقية العائلة البعض منهم ما زال يعيش في المنطقة قد يمنح لها قدرا من الواقعية ,قد تكون تضخمت بالنقل أو قد تلاعبت بها المخيلة الشعبية فغيرت بعض معالمها دون أن يكون لهذه المعالم تلك الجاذبية التي جرفتني وأنا اسمع الحكاية من أكبر الرجال سنا في هذه المدينة التي تحولت من قرية فبل سنين قليلة حتى أن البعض ما زال يصر على أن يسميها سوق العرب.
تحسست في وجه الجد بعض الراحة وبدت عيونه أقل احمرار هذا ما تعودت عليه وأنا طفل تربيت في كنفه بعد فقدان أبي تركتني والدتي في رعايته لأنه بلا أولاد غيرها ,فقد أعيد لجو البيت شيء من الحيوية بوجود من يشغلهم هو وجدتي عن غياب ابنتهم الوحيدة في مدينة بعيدة ولتجبره أيضا أن يزورها بين الحين والحين لتراني , تعودت تماما أن أترجم كل شاردة وواردة من ملامح وجهه وقد أكون أقرب الناس له وأكثرهم فهما لدواخله ,الوحيد الذي يعتقد بأن جدي كان مفكرا وفيلسوفا وشاعرا وأديب من طراز أخر بما يحمله من عمق في التفكير وبساطة في الطرح حتى أن بيتنا في الأيام السالفة قبل اكثر من ربع قرن كان محفلا لكل القصص والحكايات ومقرا لتجمع حكماء المدينة وكبار محدثيها .
لقد فطنت للتو عن سر تلك العلاقة بين الرجل وحكاية المدينة الغارقة في الطين إنها اللعنة التي تركها أهل المدينة في هذا القصر ,
_هكذا أردت أن تقول يا جدي.
نعم إنها اللعنة ... لا تعرف عندما تحل لا تستثني أحد لأنها عمياء لا تسمع ولكنها تشتم الرائحة فقط رائحة الإنسان هي وحدها التي تجذب اللعنات ,لذا فمن الأفضل أن تجعل رائحتك دوما خاصة غير تلك التي تنبعث من جسدك لتكسب ود الأخرين وتبعد عنك اللعنة .
_لكن يا جدي أنت تعرف أنا لا أتعطر وأرى أنها تدل على احتراف التزوير الوجدي كما أني لا أستطيع إلا أن اكون طبيعيا كما خلقني الله وأخيرا أكثر المتعطرين لديهم ميل لكسب القلوب المتطيبة وأنا من صنف أخر.
_أنت حر ولكن لا تدع عطرك يجلب لك اللعنة هذه هي المشكلة عليك أن تفهم أن ليس كل طبيعي هو واجب الإلتزام به.