حورية النهر الميت

مررت لأحد بأحد أحلامي حالقديمة بعد أن ضاقت بي نفسي من هول ما أسمع وأستمع عن حكايات تتراوح بين الخرافة والواقع الخرف , المهم استأذنت من ذاكرتي أن تخرج كل الملفات القديمة المؤرشفة وحتى التي لم يصلها يد الناسخ والمنسوخ عساني أجد تعبيرا لذاك الحلم الذي أغرى عقلي أن يصدقه , قلبت كل الأوراق لم أجد من ذلك الوهم سوى هذه الرواية القصيرة أني كنت أسبح جنب النخلة الحانية على حاقة النهر الصغير في ظهيرة يوم قائظ ..لوحدي حتى الحمامات التي كانت تغني على سعفها المتدلي ذهبت لتنام بعيدا عني ريح السموم .
أتذكر من الحلم وبينما أنا أخرج من حافة النهر وأقدامي تغوص بالطين الناعم والبارد كأنه حرير ,أمسكت قدمي كف من تحت الماء أرتعبت حاولت أن أسحبها جريا نحو حافة النهر القريبة أصابتني رعشة سرت بكل جسدي كأنة فاقد للعزيمة أن أقاوم أو أناور , جميلة هي لحظة الأرتعاش تلك صاحبها دوار ثم أجد نفسي محاطا بسلسلة من الحوريات تتنافس فيما بينها أيهن تتذوقني أولا , لا أعرف بالتحديد من هي التي سرقتني أولا ,أكاد أجزم أنها التي تبتعد شيئا فشيئا عنهن هي التي منحتني الرعشة الأولى في طينة النهر ما أتذكر أنها شيء خرافي أن تشعر بلذة النشوة لأول مرة .
ليس من بين أحلامي أن أكون عبدا جنسيا لأحد حتى لحوريات الجنة ,أعلم أنني منذ أن كنت نسيا منسيا قد تم تدوين أسمي في قائمة المهملين لا أمل لي في أن أحظى بملمس حورية أو حتى شبح ولدان مخلدون , هكذا ظني مدرج في قاعدة اليقين التي أمسكها وأتمسك بها , لا رجاء ولا حتى في الخيال أن أكون طعما للحوريات ,جدي علي البحار كان يقص على جداتي في المساءات الغابرة عن رحلاته في بحر العرب ينقل التمر والشعير من البصرة إلى ضواحي عدن أنه كان يترفع أن يرافق الحوريات في البحر ويطلب منهن السماح له ,يقول أنه كان عفيفا ولا يرغب بخداع جدتي أو خيانتها ,كنت أعرف أنه كذاب ينكح حتى الذبابة لو قدر له ذلك أنه عربي تاريخه سلسلة من المناكحات بطعوم متعددة وبألوان مختلفة .
أعترف أنني رممت بعض الحكاية قد أكون قاصدا أم لا أعرف أن هذا هو الموجود عندي وبين يدي رسمته بخيالي بشبقي أو لجاجتي أن أنفس عن رغبتي الدفينة التي ورثتها عن جدي علي البحار , النهار القائظ وأنت في مستنقع كبير تتصور أنه بحيرة الأحلام المفقودة وشواطئ اللازورد تغريك وتمنحك خيال أقرب من الجنون تنسج فيه أحلاما لم تولد أصلا بل أجزم أن كل أحلامي عبارة عن مرض نفسي مصدره شبقي الذي لا يهدأ ولا يستكين ,حتى وأنا في الخامسة عشر أشعر أني كعجوز يتجرع التسعين طوعا لا شيء يمنحك أهتمام ولا من طريق يأخذك من هذا الواقع لتعيش مثل المخلوقات التي لها مستقبل حتى الخرفان والدجاج وهذا البط النهري الذي يسبح معي يعرف أنه على أخر الطريق سيكون وليمة جميلة , ليس الجمال في النهاية الجمال في شكل النهاية وهي متربعة على صحن رز كتاج فوق رأس أميرة .
سأرمي بعض هذه الأحلام في حاوية النفايات وأعود لعالمي العاقل ,الآن أكتشفت أن المراهقة هي التي تصنع أحلاما تتبخر بمجرد أن تشرق عليها أول خيوط شمس الحقيقية , مثل مرض أصابني أجلس فوق سرير خيالاتي كأني سلطان زمانه وأنتقي من الجميلات الفاتنات وأكثرهن بمعيار اليوم مجرد نساء خاليات من كل ميزة إلا ميزة واحده أن أغلبهن يشبهن جدتي وأمها ,الحقيقة حتى جدتي كانت تمثل لي في ذلك الحين حورية لأن جدي كان يظن ذلك وأنا لا أثق به لكن لا نساء في حياتي غير ما يحوي المكان , كل ما فيه الأمر لا يعدو غير كائنات يلتحفن ثياب نساء ليس إلا نساء في زمن لا تفرق بين الإناث والنساء لأنك لا تعرف حقيقة ما معنى كل منهن ,ضحكت مرة عندما عرفت أن بعضهن لا يملكن حتى أسم حتى تتزوج ويأتيها الولد فتعرف به بسهن كانت كل ما تعرف من أسمها بسهن ,لماذا بسهن لأن من أنجبتها كرهت البنات وكرهت ضعف النساء تمردت على واقعها فأختارت شعار بسهن .
هل من الممكن أن تعود الذاكرة مثلا لنصحح بعض مفاهيمها ثم ندرج الصحيح ليتناسب مع زمن حدوثه ونرسم أحلامنا هناك ونعيد السيرورة من نقطة سوداء , ليس الأمر عسيرا العسير فيه أن لا ألوان هنا نعيد فيها صبغ الأحداث لتبدو أكثر جمالا , أنا أعان مثلا من ذاكرة غالبها أسود وأبيض وغالبها تهشمت بعض أجزاءه , القليل جدا فقط هو الذي أعرف حدوده الممتدة بين الذاكرة وغدة الذكر , فقط هي الجميلة لأنها كانت الأعظم في الكم والأكثر في الممارسة ,اليقين الآن لو عدت لنفس الظروف ومع هذا العقل قد لا أتخذ مسارا مغايرا فقط أبحث عن أسرار الأنوثة عند الجميلات أما شبيهات الإناث قد لا أمر حتى على أطراف المكان الذي يجمعهن فيه ,قيمة الزمن أنه يربي الذائقة حينما سرقتني الحورية لم تكن ذائقتي قد ولدت بعد لكن جنوني الشبقي كان بالغا حد التمام .
ها قد تذكرت أن الحوريات في الجزيرة النائمة هناك في حضن تأريخي المشبع بالأمنيات المكبوتة لم يمارسن أي نوع من الأغراء معي فقط تأمل منظري وأنا مستلق على ظهري وعيني وحدها التي تتحرك , لا شيء غير هذا أتذكره منهن حتى النصف العاري الذي يشبه شكل النساء بم يكن كذلك حتى الرائحة كانت تشبه رائحة السمك النهري ,من الممكن أن تتصور حورية وتقف كل أدواتك الذكورية في حالة أستنفار لو تأملت جميلة تمر من أمامك ويكون الوضع مأساوي لو تخلت عن ما يخفي الأعين من ثروة الإناث ليست ثروة فقط أحبانا تدعم تعيش ثورة حقيقة وأنت تتمعن بمفاتن ليس بمقدورك أن تمنع طوفانك العارم أن تلتحق بصفوة المجانين لكن مع رائحة السمك تموت ذكوريتي وتتلاشى ذكرياتي في بحر من رمال الكره للسمك .