انتشرت العديد من الظواهر في المجتمعات العربية والاسلامية ومنها المجتمع العراقي، بعد أن ظلت لقروٍن من المحظورات، ولم يكن مسموحًا الحديث عنها، ولا حتى التحذير من انتشارها خصوصًا بين أوساط الشباب، فقد تلاحظ مؤخرًا الحديث عن الإلحاد في معظم البرامج الاذاعية والتلفزيونية وكان النصيب الأكبر منها للفضائيات التي تسعى لكسب أكبر عدد من المشاهدين والمعجبين لها، بل تعدى الأمر استضافة بعض من نماذج الملحدين في برامج -التوك شو- لتلك الفضائيات واتاحة الفرصة لهم للتحدث بكل جرأة وحرية، وكذلك انتشار المواقع الإلكترونية التي تروج للفكر الإلحادي وتزايد عدد الشباب الزائرين لها، فضلا عن وسائل ومواقع التواصل الاجتماعي ومقالات الصحف والمجلات والإصدارات المكتوبة، وإن دلَّ ذلك على شيء فإنما يدل على انتشار تلك الظاهرة وتفشيها بدرجة خطيرة في المجتمعات العربية، وتحولها من قضية فردية إلى تشكيل ميليشيات إلحادية فكرية منظمة على إثر أحداث 11 سبتمبر في أمريكا.
الأمر الذي دفع المجمع الفقهي في رابطة العالم الإسلامي، في ختام اجتماعاته بمكة المكرمة في منتصف ديسمبر 2012، للتحذير من بوادر إلحاد في بعض المجتمعات العربية والإسلامية وزيادة ظاهرة التشكيك في الدين الإسلامي، وأشار المجمع إلى وجوب المسارعة للوقوف في وجه هذه الظاهرة المشينة، وضرورة تنبيه المسلمين إلى فداحة أمرها، داعيًا الحكومات العربية والإسلامية إلى القيام بمسؤولياتها بالتصدي لبوادر الإلحاد ومنع قنواته وطرائقه ورموزه من التمكن من وسائل التوجيه والمخاطبة للأجيال، وبناءً على ذلك قام عدد من نواب التيار المدني وحزب النور بمجلس الشورى –خلال فترة حكم الإخوان المسلمين-بالتقدم بطلب مناقشة حول ارتفاع نسبة الإلحاد بين الشباب المصري، وبحث سبل التصدي لتلك الظاهرة ومواجهتها قبل أن تتحول إلى خطر يٌهدد استقرار المجتمع.
وفي غضون ذلك خرجت المؤسسة الدينية الرسمية في مصر –الأزهر الشريف- إلى دق ناقوس الخطر للمرة الأولى، والشروع في اتخاذ إجراءات عملية للتصدي لها، حيث قامت مشيخة الأزهر الشريف في 18 يناير 2014 بالتعاون مع وزارة الأوقاف ووزارة الشباب والرياضة بتوقيع بروتوكول تعاون بهدف احترام الأديان السماوية ونبذ ازدراءها فضلاً عن تصحيح المفاهيم الخاطئة لدى الشباب المصري.
كما حذر فضيلة الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، في درسه الأسبوعي في التلفزيون المصري بتاريخ 12 أكتوبر 2014 من انتشار تلك الظاهرة وأشار إلى أنها تُمثل تحديًّا حقيقيًّا، إذ إنها تُدمر شباب مصر، فضلاً عن كونها لم تٌعد موضوعًا هامشيًّا وأن الأزهر معني بالتصدي لها حيث أضحت من أخطر التحديات التي تواجهها الدولة المصرية، كما أعلنت وزارة الأوقاف بالتعاون مع وزارة الشباب والرياضة عن إطلاق حملة لمكافحة انتشار ظاهرة الإلحاد بين الشباب المصري في منتصف أكتوبر 2014، بالاستعانة بعدٍد من علماء النفس والاجتماع والسياسة لنشر التوعية بين فئات النشء والشباب، وذلك من منطلق أن "الإلحاد أصبح الخطر الثاني الذي يٌهدد البلاد بعد الإرهاب"، وهو ما أعقبه تنظيم مجلس الكنائس المصرية مؤتمرًا للشباب، في 23 من الشهر ذاته، لمناقشة قضية انتشار الإلحاد، وكيفية التصدي لها، بمشاركة 100 شاب وفتاة، وحذر فيه قداسة البابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، من خطورة هذه الظاهرة.
وفي هذا الصدد فإن السؤال يطرح نفسه، هل أصبح الإلحاد ظاهرة أصلاً؟! والإجابة ببساطة أنه من الصعب أن يكون هناك حٌكمًا دقيقًا، وذلك لعدم وجود إحصائية يٌمكن من خلالها معرفة النسبة وربما يكون إعداد مثل هذه الإحصائية صعبًا، لأن غالبية من يُلحد أو يترك الدين – أي دين - يكتم هذا في نفسه ولا يعلنه – باستثناء القلة القليلة -، خصوصًا في مجتمعنا الإسلامي المتدين الذي يصٌعب أن يُعلن فيه الفرد مثل هذا الأمر، حيث أكد العديد من الباحثين أن دراسة هذا الموضوع في مجتمعاتنا العربية والإسلامية ليس بالأمر الهين، ويكتنفه مجموعة من الصعوبات المنهجية كانخفاض معدلات الاستجابة لاستطلاعات الرأي الميدانية، إذ أن من يعترفون بإلحادهم هم أقل بكثير من العدد الحقيقي الموجود وغير المعلن حتى الآن، ولذلك فإنه عند تقديم الأرقام حول نسب الملحدين في عدد من الدول تكون النسب في أغلب الأحيان نسبًا تقريبية، وبالرغم من ذلك إلا أن كثيرًا من المؤشرات تؤكد أن الإلحاد موجود في مجتمعنا الإسلامي والعربي بشكل أكبر مما يتوقعه غالبية الناس، وقد بات الإلحاد واقعًا يعيش في عقول كثير من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين العشرين والثلاثين عام.
وهنا يجب الإشارة إلى أن هناك العديد من المراكز البحثية الدولية التي سبقت الأزهر الشريف والكنيسة، ونبهت إلى خطورة تفشي هذه الظاهرة في المجتمع المصري، حتى أن بعض هذه المراكز أكدت على أن نسبة الملحدين في مصر وصلت إلى 3% من عدد السكان، أي ما يقارب الثلاثة ملايين نسمة ومع ذلك لم يقابل الأمر بأي اهتمام سواء من الأزهر الشريف أو حتى من وسائل الإعلام المصرية في ذلك الوقت.
وعند القراءة النظرية لموضوع الإلحاد تلاحظ أن غالبية الإصدارات المكتوبة والمقالات بالصحف والمجلات والمواقع الالكترونية لم تتناول الموضوع من جميع جوانبه، وكان معظمها يٌركز على الأسباب التي تدفع الشباب للإلحاد وطرح بعض الرؤى للتصدي لهذه الظاهرة -وإن كان معظمها مجرد طرح نظري- لذلك فإن هذا المقال سيتناول الظاهرة من كافة جوانبها بقدر الامكان باستثناء الجانب الديني الذي سيتم تناوله بصورة عابرة من منطلق أن الكاتب غير متخصص في علوم الدين.
فعن حقيقة تلك الظاهرة، يمكن القول بأن الإلحاد ظاهرة قديمة قِدم الزمن، ووجدت منذ عصور الإسلام الأولى لكنها كانت دائما ظاهرة هامشية في التاريخ البشري، وفي نفس الوقت تعتبر ظاهرة متجددة وذلك لأنه لم يخل منها عصر أو حقبة زمنية، وما يؤكد وجودها قول الله تعالى في الآية (40) من سورة فصلت ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَن يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَم مَّن يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾، ولقوله تعالى في الآية (180) من سورة الأعراف ﴿وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾.
وقد أكد معظم المفكرين وعلماء الفقه والشريعة والفلسفة وعلم النفس والاجتماع أن الإلحاد ليس ظاهرة، وإنما دعوة أتت من بعض الأفراد والجهات المعادية بهدف زعزعة الجانب الإيماني والفكري لبعض الشباب واستغلال المشاكل الاجتماعية التي يمرون بها، كما أنها ارتبطت بموجات التغريب والعلمنة التي صاحبت انفتاح المجتمعات العربية على الدول الغربية منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي، حينما تصدرت أخبار الملاحقات الأمنية لمجموعات إلحادية مثل "عبدة الشيطان" وتجمعات الشباب المتمرد اجتماعيًّا وثقافيًّا مثل "الإيمو" و"الأناركيين" من رافضي الوصاية الأبوية للمجتمع والأنماط التقليدية للتوافق المجتمعي والمعايير الدينية والأخلاقية السائدة.
ومن منظور آخر رأى البعض أن ظاهرة الإلحاد ليست مشكلة دولة أو دين أو نظام، وليست نتاج أجواء الانفتاح الفكري والثقافي، إنما هي من الظواهر المعقدة التي قد تتداخل فيها العوامل الفكرية والنفسية والاجتماعية، ولذلك فإن تحليلها والبحث في أسبابها والتعرف على دوافعها يحتاج إلى جهد كبير وبحث دقيق من متخصصين في الفكر والدين والفلسفة وعلم النفس والاجتماع.
والسطور اللاحقة تتناول أبعاد الظاهرة من حيث الأسباب، والمظاهر، والآليات، والآثار السلبية لها، وطرق المعالجة، والضوابط المطلوبة للاشتباك والعلاج للظاهرة؛
فعن الأسباب والدوافع التي تقود الشباب الى الإلحاد، يمكن القول بأن هناك فارقًا كبيرًا بين الدوافع للإلحاد في السابق والإلحاد في الوقت الراهن فمبررات الإلحاد لم تعد فلسفية كما كان عليه الأمر، بل ارتبطت بالكثير من إنكار بعض القيم الإسلامية بل وأحيانا السلوكية سواء كان الصحيح منها أو الخطأ أو الذي عبر عن اجتهاد لدى بعض الشخصيات الإسلامية، لذلك فإن معرفة أسباب الإلحاد تفيدنا في توصيف الحالة الإلحادية وتشخيصها بدقة وموضوعية، وبالتالي اتخاذ الإجراءات العلاجية الصحيحة، كما أن معرفة التنوع الكبير في أسباب الإلحاد يجعلنا أكثر موضوعية في تناول الظاهرة، وقد اتفقت معظم الكتابات والأدبيات أن تلك الأسباب والدوافع متعددة، وفي الغالب تتضافر مع بعضها البعض، ومن أهمها ما يلي:
- النشأة في بيوت لا يسمع فيها النشء والشباب ما يدله على دينه ويحببه فيه.
- الجفاف الروحي وضعف الايمان، مما يجعل الشباب عٌرضًة بشكل أكبر لأن تتقاذفه الشكوك والشبهات فينجرف معها.
- التشدد والجمود الديني الذي يؤدي بدوره إلى النفور من الدين والتدين، فالغالبية العظمى ممن ألحدوا، كان إلحادهم ردة فعل نفسية من التشدد الديني والاجتماعي.
- وجود تساؤلات تبحث عن إجابة تقابل بردود فعل تكبتها وتقمعها، فكثيرٌ ممن ألحدوا كان إلحادهم نتيجة لتساؤلات أربكت عقولهم فبحثوا عن إجابات لها ولم يجدوا شيئا، بل تعدى الأمر أن تقابل مثل هذه التساؤلات بالكبت والتخويف والتعنيف.
- سطوة الشهوات -فترية المصلحة في إباحتها- وتغلبها على قلب الشاب وأن تحريم الشرع لها خالٍ عن الحكمة، فيؤدي به بعد ذلك إلى إباحية وجحود.
- انفتاح العالم الفضائي بشقيه -القنوات الفضائية والانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي- وما يُبَثُ فيها من شهوات وشبهات تأخذ كل واحدة منهما بنصيبها من النشء والشباب مع عدم وجود حملة تحصين مضادة لآثارها.
- عدم عناية الإعلام ووسائله الرسمية بإبراز القدوات الفضائية الصالحة التي تتسم بالعلم والعمل في برامجها الحوارية الهادفة.
- عدم قيام مؤسسات التربية والتعليم من مدارس ومعاهد وجامعات بأنشطة تثقيفية للوقوف في وجه موجة الإلحاد، وبطء استجابتها للمستجدات العالمية والحراك الاجتماعي بشكل مؤسسي، وغياب كثير من أساتذة الجامعات والمربين عن المشهد الثقافي وعدم تمكينهم من المشاركة الاجتماعية.
- أنظمة الحكم في بعض البلدان، وما سببته للناس بما فيهم فئة الشباب من فتن في دينهم، فبعضها يروج الإلحاد ويقيم المؤسسات التعليمية والأنشطة التي تبثه بين النشء والشباب، وأخرى تدعي أنها تعتني بالدين، ومؤسساتها -عن غير قصد- مما يتسبب في ردة فعل عكسية من الدين والمتدينين.
- دور النشر وما تبثه من روايات إلحادية وتجارب منحرفة وكتب فكرية دُس فيها السم بألفاظ منمقة وأدبيات فلسفية تصادم ثوابت الدين تسببت في نشر غثاء الإلحاد وشكوكهم وأثرها واضح على الجيل المعاصر.
- انتشار المقاهي الثقافية التي تروج للثقافة الإلحادية وعدم وجود ضابط قانوني لها.
- تغلغل المواقع المشبوهة التي يدعمها كبار الملاحدة على الإنترنت وتدعي نصرة المظلومين وتبث ضمن ذلك ما شاءت من أفكار إلحادية.
- القتل والحروب والعنف الذي يحصل باسم الدين خاصًة من جانب الجماعات المتطرفة التي ظهرت على الساحة العربية، وفي مقدمتها تنظيم (داعش)، و(جبهة النصرة التابعة لتنظيم القاعدة)، و(أنصار بيت المقدس)، وغيرها من التنظيمات الداعمة والمبايعة لهم في كل البلدان العربية والإسلامية، والتي قد تدفع بعض الشباب إلى النفور من الدين بحجة أنه جعل البشر يقتل بعضهم بعضًا، وهذه ردة فعل عاطفية وغير واقعية؛ لأن الصراع طبيعة موجودة في الإنسان.
- تمزق الأمة وتشتتها وتفرق كلمتها، مما يدفع بعض الشباب للحيرة والتساؤل خاصةً عندما يرى أمامه مذاهب شتى لا يعلم أيها يمثل الحق.
- إشكاليات الحضارة وأزمة الهوية السائدة بين الشباب مع عدم وجود المحاضن التربوية المقنعة التي تحوي الفكر والإيمان إضافة إلى السلوك.
- الإلحاد كموضة فكرية، أحيانا تجد أن الإلحاد قد أصبح لدى البعض خاصًة في مجتمعاتنا الإسلامية مجرد موضة ومراهقة فكرية أو وسيلة للفت أنظار الآخرين واستعراض العضلات، وغالبًا ما تجد هذا عند الأشخاص محبي الظهور والشهرة ولفت الأنظار.
- واقع المرأة، ربما يكون هذا السبب مفاجئًا ولكن عددًا غير قليل من الفتيات اللواتي تركن الدين كان الواقع أو الاضطهاد الذي تعانيه المرأة باسم الإسلام هو شرارة البداية التي جعلتهن يتركن الدين ويتساءلن عن مدى صحة هذا الدين أو ملاءمته وعدله.
وعن مظاهر الإلحاد، فقد حددتها الدكتور/عبد الله بن صالح العجيري في كتابه (ميليشيا الإلحاد .. مدخل لفهم الإلحاد الجديد) الصادر في بداية عام 2014 عن مركز (تكوين) بالمملكة العربية السعودية، فيما يلي:
- الحماسة في الدعوة للإلحاد بعدما كان الإلحاد شأناً ذاتياً، ومن مظاهر هذه الحماسة للدعوة للإلحاد تأليف سيل من الكتب الإلحادية وتصدرها قوائم الكتب الأكثر مبيعا، ولم تنجُ كتب الأطفال من هذه الموجة حيث كتبت عدة مؤلفات إلحادية للأطفال والمراهقين، وأيضا امتدت هذه الموجة للبرامج الفضائية والإذاعية وحتى برامج رسوم الأطفال طالتها هذه الموجة، وتوج ذلك بظهور عدة مؤسسات للملحدين ترعى هذه الدعوة وتقوم بالدعاية لها من خلال اللوحات الإعلانية على الطرقات أو المنتجات المختلفة من الملابس والأدوات.
- عدائية الخطاب: حيث قال أحد الملحدين (ذهبت أيام الإلحاد المؤدب)، وذلك باستخدام أبشع الصفات والنعوت تجاه المقدسات، وما نراه في كتابات بعض الملحدين العرب هو انعكاس لتلك الروح العدائية، وهذه العدائية تعتبر من نقاط الخلاف بين الملاحدة الجٌدُدْ والقدماء المعترضين على المبالغة في الإهانة والاستهزاء بالمتدينين.
- استعمال أداة الإرهاب في حرب الأديان، وذلك بربط كل المشاكل والشرور في العالم بمتدينين كانوا وراءها، ومن ثم الخروج بقانون (كل الشرور دينية)، لدرجة أنهم اعتبروا الاتحاد السوفييتي متدينًا ولذلك كان متخلفا ثم انهار!
- الهجوم اللاذع على دين الإسلام، فبرغم أن الإلحاد الجديد ظهر في الغرب وهو يصطدم بشكل أساسي مع المسيحية، إلا أنهم يخصّون الإسلام بقدر خاص من عدائهم وعدوانهم، ولذلك تنتشر في إصداراتهم الطعن بالمصطلحات الإسلامية، وأيضاً يلاحظ احتفاءهم المبالغ فيه برموز الإلحاد الإسلامية مثل "آيان هرسي الصومالية، وحمزة كاشغري السعودي".
- جاذبية الإلحاد الجديد، فعلى عكس الإلحاد القديم الذي كان يقوم على جانب فلسفي ونظري، فإن الإلحاد الجديد أصبح موضة، وأصبح لرموزه معجبون وعشاق يتابعون أخبارهم ويعلقون صورهم ويطلبون توقيعاتهم، مما جعل الحالة تكاد تصل للتقديس.
- المغالاة الشديدة في قبول العلوم الطبيعية التجريبية، حتى وصلت هذه المغالاة لدرجة الهوس والخرافة، والتي بموجبها ألحد البعض هروبًا منها عند المتدينين تحديدًا.
وعن آليات الفكر الإلحادي، فقد أشار المركز الاقليمي للدراسات الاستراتيجية بالقاهرة إلى أن بعض الملحدين يعتمدون على عدة آليات لإثبات وجودهم وتأثيرهم في المجتمع، ومن أهم تلك الآليات ما يلي:
- شبكات التواصل الاجتماعي: حيث تُعد شبكات التواصل الاجتماعي المؤشر الأكثر دلالة على وجود اتجاهات إلحادية، في ظل ما توفره من إمكانية استخدام أسماء مستعارة، وتشديد إجراءات الخصوصية، فعلى موقع "فيسبوك" تتعدد الصفحات المعبرة عن الملحدين في الإقليم مثل صفحات "ملحد وأفتخر"، و"ملحدون فلسطينيون"، و"ملحدو الجزائر"، و"ملحدو سوريا"، وصفحة "ملحدين مصريين" و"ملحدون بلا حدود" وصفحة "فجر الإلحاد في العالم العربي" فضلاً عن حسابات "تويتر" ذات الهوية الزائفة التي تنشر الفكر الإلحادي في المجال الافتراضي بعيدًا عن رقابة الدولة.
- تأسيس منصات إعلامية: حيث لم يتوقف بعض الملحدين عند الإعلان عن أنفسهم من خلال الإنترنت أو استخدام موقع "يوتيوب"، وإنما اتجهوا لتأسيس منصات إعلامية للترويج لأفكارهم من خلال البث عبر الأقمار الصناعية من خارج المنطقة العربية، وفي هذا الصدد سعت إحدى المجموعات لإطلاق قناة فضائية تحت اسم " قناة الملحدين بالعربي" بحيث يتم بثها من قبرص، أو أي دولة خارج المنطقة، فيما تستغل بعض العناصر الإلحادية مساحات إعلامية توفرها بعض القنوات التبشيرية المتطرفة التي تبث من الخارج باللغة العربية، وتعبر عن اتجاهات دينية غير معترف بها من الكنائس الرئيسية بالإقليم.
- تشكيل تنظيمات للأعضاء: حيث اتجه بعض الملحدين للإعلان عن تأسيس تنظيمات تعبر عن وجودهم مثل "اتحاد الملحدين العرب" و"مركز تحالف الإلحاد الدولي" الذي تأسس في مطلع عام 2013وبات يضم آلاف الأعضاء وفق تقارير عن جنسيات الأعضاء نشرها المركز، وتستهدف تلك التنظيمات تكوين تكتلات ضاغطة على دول الإقليم بهدف الاعتراف بوجودهم، وإنهاء ما يطلقون عليه تمييزًا دينيًا، فضلا عن الترويج لأفكارهم بين الشباب.
- ممارسة الاحتجاج السياسي: حيث اتجه عدد من الملحدين ومتطرفو التغريب والعلمنة في دول الإقليم إلى تنظيم احتجاجات تتحدى القيم المجتمعية على غرار الاحتجاجات التي تنظمها "جماعة فيمن" النسائية التي وجدت لها أنصارًا في دول الإقليم مثل الناشطة أمينة تايلر في تونس التي نشرت صورتها وقد كتبت على جسدها عبارة "لا مزيد من الدروس" تعبيرًا عن رفض الوصاية الدينية، وهو ما دفع الجماعات الدينية لإهدار دمها، والأمر نفسه ينطبق على المصرية علياء المهدي التي انضمت لاحتجاجات يتم فيها توظيف الجسد وكتابة شعارات تتحدى الثوابت الدينية والمجتمعية، وهو ما ينطبق أيضًا على الاحتجاجات التي ينظمها الملحدون الأكراد للتنديد بالخطاب الديني لبعض أئمة المساجد، وتحريضهم على الكراهية، على حد تعبيرهم.
- الاتجاه إلى "ازدراء الأديان": فلم يعد يقتصر خطاب الملحدين على التشكيك في المعتقدات الدينية، وطرح أسئلة جدلية حول الثوابت المجتمعية، واستغلال مظاهر التطرف الديني لدى بعض التنظيمات الإرهابية والجماعات المتشددة، فبعض الملحدين باتوا أكثر تطرفًا في تحدي المعتقدات السائدة من خلال ممارسات تصنف في إطار "ازدراء الأديان"، مثل قيام أحد الملحدين بنشر صورة وهو يرفع لافتة في الحرم المكي مكتوبًا عليها بالإنجليزية "ملحد وأفتخر" ونشر آخرين مقاطع فيديو يقومون خلالها بتدنيس أو تمزيق الكتب المقدسة للأديان السماوية الثلاث، وقيام مدونين على موقع "تويتر" برصد مكافآت مالية لمن يعلن إلحاده على الملأ.
- تدويل المطالب الحقوقية: حيث تتجه بعض الجماعات الإلحادية للضغط على الحكومات من خلال توظيف المنظمات الحقوقية الدولية، وادعاء تعرضها للاضطهاد والملاحقة الأمنية، ومحاولة انتزاع وضعية الأقلية الدينية، ففي أكتوبر 2014 أعدت مجموعة من الملحدين العراقيين وثيقة لجمع التوقيعات لتقديمها للأمانة العامة للأمم المتحدة تطالب بحماية الملحدين من الاضطهاد الديني في العالم العربي، وتقديم ضمانات لحرية الاعتقاد، على حد تعبيرهم.
وعن الآثار السلبية للإلحاد، فيمكن القول بأن الإلحاد له آثاره الواضحة في سلوك الفرد وفي أخلاق الأمم ونظم المجتمعات، ويمكن إجمالها فيما يلي:
- القلق والصراع النفسي: حيث إن أول الآثار التي يخلفها الإلحاد في نفوس الأفراد هو القلق والحيرة والاضطراب والصراع النفسي، والخوف من المستقبل.
- الأنانية والفردية: فالنتيجة الحتمية للقلق النفسي والخوف من الأيام والمستقبل هي اتجاه الإنسان نحو الفردية والأنانية ونعني بالأنانية اتجاه الإنسان لخدمة مصالحه الخاصة وعدم التفكير في الآخرين، وبذلك بدأ الناس في عصور الإلحاد المظلمة لا يأبهون لغيرهم من بني البشر، وشيئاً فشيئاً قلت العناية بالفقراء والمحتاجين ثم بالأهل والأقربين ثم بالوالدين وأيضاً بالزوجة والأولاد.
- فقدان الوازع والنزوع إلى الإجرام: لأن الإلحاد لا يٌهذب الضمير، ولا يخوف الإنسان من إله قوي قادر يراقب التصرفات والأعمال، فإن الملحد ينشأ غليظ القلب عديم الإحساس وفاقد الوازع الذي يردعه عن الظلم ويأمره بالإحسان والرحمة.
- هدم النظام الأسري: فالإلحاد له آثاره المدمرة في الحياة الاجتماعية للإنسان، فالبعد عن الله سبحانه وتعالى لم يكن من آثاره تدمير النفسية البشرية فقط وإنما كان من لوازم ذلك تدمير المجتمع الإنساني وتفكيكه، وما يترتب على ذلك من هدم النظام الأسري.
- تخريب المجتمعات: الأسرة هي الخلية الأولى من البناء الاجتماعي، وبفسادها يفسد النظام كله لأن الأسرة هي المحضن الأول للإنسان وإذا فسد الإنسان فسدت اللبنات التي تكون هذا البناء.
- الإجرام السياسي: لعل أعظم آثار الإلحاد هو آثاره في السياسة العالمية، ونظام العلاقات بين الدول، وذلك لأن الأخلاق المادية الإلحادية التي جعلت قلب الإنسان يمتلئ بالقسوة والأنانية دفعت الإنسان إلى تطبيق هذه القسوة والأنانية في مجال العلاقات السياسية العالمية أيضًا، ولذلك فالدول الاستعمارية الكبرى تلجأ إلى وسائل خسيسة جداً في استعباد الشعوب الضعيفة والحصول على خيراتها ونهب ثرواتها، وبلادنا الإسلامية بوجه عام والعربية بوجه خاص هي أشقى البلاد الضعيفة بهذه السياسات المادية الإلحادية.
وعن معالجة ظاهرة الإلحاد، فهناك العديد من الرؤى المطروحة في هذا الشأن، والتي لا يمكن التقليل من أهميتها، وكان منها ما يلي:
- الدعوة إلى توحيد الله سبحانه بالحكمة والموعظة الحسنة.
- قيام المؤسسات الدينية بمهامها الدعوية على أكمل وجه، والتصدي للتطرف الفكري الذي يأتي من بعض المنابر وبعض الفضائيات.
- قيام الأزهر الشريف بدوره الرقابي فيما يتعلق بالكتب والمطبوعات حتى لا تخرج كتب وروايات تطعن في الدين وتسب الذات الإلهية والرسل والأنبياء.
- قيام وسائل الإعلام المسموعة والمرئية بزيادة عدد ساعات البرامج الدينية.
- قيام وزارة الأوقاف بإنشاء وبث قناة تلفزيونية دينية تنشر الوعي الديني حتى لا يقع الشباب المسلم في شباك التنظيمات المعادية.
- تكاتف المجتمع من أجل تنمية الوعي الديني بين أفراد المجتمع، عن طريق مؤسسات التربية كالأسرة والمدرسة والجامعة ووسائل الإعلام.
- اهتمام المفكرون والمربون بحوار الشباب المتسائل، وأن يرحبوا بكل أسئلته أيًّا كانت.
مما سبق يمكن القول بأن الإلحاد لا يُعادي الإسلام فقط، إنما يُعادي كل الديانات السماوية وحتى الفلسفات الوضعية نفسها، وذلك لأن القاعدة التي ينتهجها الملحدون أنفسهم، هي أنهم لا يعترفون بدين، ولا بوجود الله أصلاً، لذلك فإن انتشار الإلحاد يعتبر بمثابة حرب جديدة من نوع آخر، تُدار بأيد أناسٍ لا يعرفون الله، الأمر الذي يستوجب التصدي لهذه الظاهرة قبل أن يشتد عودها ويتجذر شرها، والتأكيد على أن للمجتمع حكومة ومؤسسات وأفراد أن تواجه هذا الخطر من خلال تحصين الشباب ضد الفكر الإلحادي ومن ارتيادهم المواقع الإلكترونية التي تروج لهذا الفكر، والتي يصعب فرض الرقابة عليها، فضلاً عن تكثيف برامج التوعية الثقافية والفكرية، ولعل أفضل ما تمَّ في هذا الشأن المبادرة التي أعلنت عنها كل من وزارة الأوقاف ووزارة الشباب والرياضة في منتصف أكتوبر 2014، والتي تستهدف الوصول إلى النشء والشباب في أماكن تجمعاتهم التي تشرف عليها وزارة الشباب والرياضة بمختلف المحافظات والتي تتنوع فيما بين: (مراكز الشباب، المنتديات الشبابية، المدن شبابية، مراكز التعليم المدني) فضلاً عن الأندية الرياضية، ومراكز التنمية الرياضية، بما تشمله من أنشطة وبرامج وفعاليات تنظمها وتمولها وزارة الشباب والرياضة.
لكن ثمة مجموعة من الأسئلة تطرح نفسها، هل حققت تلك المبادرة نتائجها حتى الآن أم لا؟ وكيف يمكن قياس أثر ونتائج تلك المبادرة؟ وهل المبادرة استهدفت فئات معينة من النشء والشباب الذين يتم مشاركتهم بصفة عامة ودورية في أنشطة وزارة الشباب والرياضة؟ أم استهدفت جموع النش والشباب على مستوى الجمهورية بمدنها وقراها ونجوعها وكفورها وعزبها وليس فقط في أماكن تجمعاتهم المُشار اليها سلفاً؟ ولماذا اقتصرت تلك المبادرة فقط على مؤسسة الأزهر الشريف ووزارة الأوقاف ودار الافتاء المصرية ووزارة الشباب والرياضة؟ ولماذا لم تتكاتف جميع الجهات العاملة والمعنية بمجال رعاية النشء والشباب في هذا الأمر ويأتي في مقدمتها وزارات الثقافة، والاعلام والتربية والتعليم، والتعليم العالي، والبحث العلمي وغيرها من المؤسسات الحكومية والغير حكومية فضلاً عن الكنيسة نفسها؟ وهل انتهجت المؤسسات المعنية بالدول العربية والإسلامية الأخرى نفس النهج والنموذج الذي تمَّ تنفيذه بمصر أم لا؟ كل ذلك في ضوء استحضار توصيات المجمع الفقهي في رابطة العالم الإسلامي، في ختام اجتماعاته بمكة المكرمة في منتصف ديسمبر 2012، للتحذير من بوادر الإلحاد وتفشيها في المجتمعات العربية والإسلامية.
الأمر جُلّ عظيم ويتطلب تكاتف الجميع والتخلي عن المكاسب الشخصية ليس فقط على مستوى الوطن ولكن على المستوى العربي والإسلامي، ولعل ما تمَّ تناوله في هذا المقال يكون باكورة لأن تتناول المراكز البحثية والعلمية المتخصصة أفكار الإلحاد وأطروحاته بالبحث والدراسة والتوثيق خاصةً بين صفوف الشباب، فضلاً عن الوقوف خلف الأزهر الشريف لاستعادة دوره الديني والوطني الكامل من خلال تطوير الخطاب الديني، ونشر الأفكار الصحيحة وترويجها وتيسيرها للعوام في الكتب والصحف والإعلام المكتوب والمرئي والمسموع، وتقديم الاستشارات الفكرية والتربوية والنفسية للشباب المتشكك وأصحاب التساؤلات وأهالي الملحدين وأصحابهم وزملائهم في العمل والدراسة وتوفير الدعم الفكري والنفسي عند اللزوم، وكذلك التدخل السريع للحوار مع الملحدين بغرض هدايتهم أو مناظرتهم إذا تطلب الأمر، وأيضاً التوسع في تنفيذ المبادرات التي من شأنها مجابهة هذا الخطر مع مراعاة اختيار مسميات وشعارات لها ليس على أساس ديني وإنما على أساس اجتماعي واسم شبابي، بالإضافة إلى تكثيف كافة الجهود لإنجاح خطة مواجهة الإلحاد التي وضعها الدكتور/ أحمد ترك مدير عام بحوث الدعوة بوزارة الأوقاف المصرية، والتي تضمنت مواجهة الظاهرة في المجتمع المصري من خلال توعية الشباب بخطورة الإلحاد على العقيدة والأخلاق والانتماء الوطني، بالإضافة إلى معالجة شبهات الملحدين نفسيًا وإيمانيًا واجتماعيًا من خلال فريق عمل متكامل في كافة التخصصات المعنية، كما يجب تفعيل ورقة السياسات الصادرة خلال شهر يناير 2014 عن مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء تحت عنوان (الملحدون في مصر) ، مع إمكانية ادخال التعديلات والتنقيحات عليها وفقاً لأسس صياغة أوراق السياسات المشتملة على: (تحديد وصياغة المشكلة، وتحليل الوضع الراهن وتحدياته، والاشارة إلى السياسات السابقة إن وجدت، وصياغة البدائل المتاحة مع إيضاح إيجابيات وسلبيات كل بديل مع مراعاة ألا تزيد عن ثلاث بدائل وفقاً لمواصفات ورقة السياسات الجيدة، وتحديد الفاعلون والجهات المعنية بالتنفيذ، والتوصية بالأخذ بأحد أهم تلك البدائل)، ويمكن في هذا الصدد الاستعانة بخبراء وضع السياسات من أساتذة كليات الاقتصاد والعلوم السياسية.
ختامًا لابد من ايضاح الضوابط المطلوبة للاشتباك والعلاج لظاهرة الإلحاد والمتمثلة فيما يلي:
- ضرورة تحري الصدق والعدل والموضوعية في تناول الإلحاد، لأن هذا أدعى للقبول وحتى لا يكون هذا مدخلاً للطعن على الإسلام.
- عدم تسطيح الظاهرة الإلحادية، وذلك بعدم فهم شبهة المُلحد والإجابة بجواب ناقص.
- تجديد الخطاب العقدي لعلاج الإلحاد، لأن الإلحاد المعاصر تطور عن الإلحاد القديم، وأصبح يعتمد على ركائز جديدة، لا يصلح معها العلاج القديم، ولابد من الاستفادة من العلوم العصرية لإبطال شٌبه الملاحدة.
- ضرورة تقديم رؤى نقدية موضوعية للإلحاد، وعدم الاكتفاء بالدفاع، لأن الإسلام والإيمان هما الحق، والإلحاد هو الباطل، ومن أبرز نقاط ضعف الإلحاد غياب مرتكز الأخلاق في مَنْطِقِه، فالإلحاد لا منطق له في وجود الأخلاق وهذا مٌخالف لكل من الفطرة والعقول السوية.
- تأصيل المنهج الشرعي للتعامل مع الشبهات، حتى لا يقع الضرر ويتأثر المسلم بتلك الشبهات بدلاً من نقضها.
- ترسيخ الحضور القرآني في قضايانا الفكرية، وهو ملمح مهم يعطي المسلم قوة في طرحه.
- اختيار اسم وشعار المبادرات ليس على أساس ديني وإنما على أساس اجتماعي واسم شبابي
الأمر الذي دفع المجمع الفقهي في رابطة العالم الإسلامي، في ختام اجتماعاته بمكة المكرمة في منتصف ديسمبر 2012، للتحذير من بوادر إلحاد في بعض المجتمعات العربية والإسلامية وزيادة ظاهرة التشكيك في الدين الإسلامي، وأشار المجمع إلى وجوب المسارعة للوقوف في وجه هذه الظاهرة المشينة، وضرورة تنبيه المسلمين إلى فداحة أمرها، داعيًا الحكومات العربية والإسلامية إلى القيام بمسؤولياتها بالتصدي لبوادر الإلحاد ومنع قنواته وطرائقه ورموزه من التمكن من وسائل التوجيه والمخاطبة للأجيال، وبناءً على ذلك قام عدد من نواب التيار المدني وحزب النور بمجلس الشورى –خلال فترة حكم الإخوان المسلمين-بالتقدم بطلب مناقشة حول ارتفاع نسبة الإلحاد بين الشباب المصري، وبحث سبل التصدي لتلك الظاهرة ومواجهتها قبل أن تتحول إلى خطر يٌهدد استقرار المجتمع.
وفي غضون ذلك خرجت المؤسسة الدينية الرسمية في مصر –الأزهر الشريف- إلى دق ناقوس الخطر للمرة الأولى، والشروع في اتخاذ إجراءات عملية للتصدي لها، حيث قامت مشيخة الأزهر الشريف في 18 يناير 2014 بالتعاون مع وزارة الأوقاف ووزارة الشباب والرياضة بتوقيع بروتوكول تعاون بهدف احترام الأديان السماوية ونبذ ازدراءها فضلاً عن تصحيح المفاهيم الخاطئة لدى الشباب المصري.
كما حذر فضيلة الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، في درسه الأسبوعي في التلفزيون المصري بتاريخ 12 أكتوبر 2014 من انتشار تلك الظاهرة وأشار إلى أنها تُمثل تحديًّا حقيقيًّا، إذ إنها تُدمر شباب مصر، فضلاً عن كونها لم تٌعد موضوعًا هامشيًّا وأن الأزهر معني بالتصدي لها حيث أضحت من أخطر التحديات التي تواجهها الدولة المصرية، كما أعلنت وزارة الأوقاف بالتعاون مع وزارة الشباب والرياضة عن إطلاق حملة لمكافحة انتشار ظاهرة الإلحاد بين الشباب المصري في منتصف أكتوبر 2014، بالاستعانة بعدٍد من علماء النفس والاجتماع والسياسة لنشر التوعية بين فئات النشء والشباب، وذلك من منطلق أن "الإلحاد أصبح الخطر الثاني الذي يٌهدد البلاد بعد الإرهاب"، وهو ما أعقبه تنظيم مجلس الكنائس المصرية مؤتمرًا للشباب، في 23 من الشهر ذاته، لمناقشة قضية انتشار الإلحاد، وكيفية التصدي لها، بمشاركة 100 شاب وفتاة، وحذر فيه قداسة البابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، من خطورة هذه الظاهرة.
وفي هذا الصدد فإن السؤال يطرح نفسه، هل أصبح الإلحاد ظاهرة أصلاً؟! والإجابة ببساطة أنه من الصعب أن يكون هناك حٌكمًا دقيقًا، وذلك لعدم وجود إحصائية يٌمكن من خلالها معرفة النسبة وربما يكون إعداد مثل هذه الإحصائية صعبًا، لأن غالبية من يُلحد أو يترك الدين – أي دين - يكتم هذا في نفسه ولا يعلنه – باستثناء القلة القليلة -، خصوصًا في مجتمعنا الإسلامي المتدين الذي يصٌعب أن يُعلن فيه الفرد مثل هذا الأمر، حيث أكد العديد من الباحثين أن دراسة هذا الموضوع في مجتمعاتنا العربية والإسلامية ليس بالأمر الهين، ويكتنفه مجموعة من الصعوبات المنهجية كانخفاض معدلات الاستجابة لاستطلاعات الرأي الميدانية، إذ أن من يعترفون بإلحادهم هم أقل بكثير من العدد الحقيقي الموجود وغير المعلن حتى الآن، ولذلك فإنه عند تقديم الأرقام حول نسب الملحدين في عدد من الدول تكون النسب في أغلب الأحيان نسبًا تقريبية، وبالرغم من ذلك إلا أن كثيرًا من المؤشرات تؤكد أن الإلحاد موجود في مجتمعنا الإسلامي والعربي بشكل أكبر مما يتوقعه غالبية الناس، وقد بات الإلحاد واقعًا يعيش في عقول كثير من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين العشرين والثلاثين عام.
وهنا يجب الإشارة إلى أن هناك العديد من المراكز البحثية الدولية التي سبقت الأزهر الشريف والكنيسة، ونبهت إلى خطورة تفشي هذه الظاهرة في المجتمع المصري، حتى أن بعض هذه المراكز أكدت على أن نسبة الملحدين في مصر وصلت إلى 3% من عدد السكان، أي ما يقارب الثلاثة ملايين نسمة ومع ذلك لم يقابل الأمر بأي اهتمام سواء من الأزهر الشريف أو حتى من وسائل الإعلام المصرية في ذلك الوقت.
وعند القراءة النظرية لموضوع الإلحاد تلاحظ أن غالبية الإصدارات المكتوبة والمقالات بالصحف والمجلات والمواقع الالكترونية لم تتناول الموضوع من جميع جوانبه، وكان معظمها يٌركز على الأسباب التي تدفع الشباب للإلحاد وطرح بعض الرؤى للتصدي لهذه الظاهرة -وإن كان معظمها مجرد طرح نظري- لذلك فإن هذا المقال سيتناول الظاهرة من كافة جوانبها بقدر الامكان باستثناء الجانب الديني الذي سيتم تناوله بصورة عابرة من منطلق أن الكاتب غير متخصص في علوم الدين.
فعن حقيقة تلك الظاهرة، يمكن القول بأن الإلحاد ظاهرة قديمة قِدم الزمن، ووجدت منذ عصور الإسلام الأولى لكنها كانت دائما ظاهرة هامشية في التاريخ البشري، وفي نفس الوقت تعتبر ظاهرة متجددة وذلك لأنه لم يخل منها عصر أو حقبة زمنية، وما يؤكد وجودها قول الله تعالى في الآية (40) من سورة فصلت ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَن يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَم مَّن يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾، ولقوله تعالى في الآية (180) من سورة الأعراف ﴿وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾.
وقد أكد معظم المفكرين وعلماء الفقه والشريعة والفلسفة وعلم النفس والاجتماع أن الإلحاد ليس ظاهرة، وإنما دعوة أتت من بعض الأفراد والجهات المعادية بهدف زعزعة الجانب الإيماني والفكري لبعض الشباب واستغلال المشاكل الاجتماعية التي يمرون بها، كما أنها ارتبطت بموجات التغريب والعلمنة التي صاحبت انفتاح المجتمعات العربية على الدول الغربية منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي، حينما تصدرت أخبار الملاحقات الأمنية لمجموعات إلحادية مثل "عبدة الشيطان" وتجمعات الشباب المتمرد اجتماعيًّا وثقافيًّا مثل "الإيمو" و"الأناركيين" من رافضي الوصاية الأبوية للمجتمع والأنماط التقليدية للتوافق المجتمعي والمعايير الدينية والأخلاقية السائدة.
ومن منظور آخر رأى البعض أن ظاهرة الإلحاد ليست مشكلة دولة أو دين أو نظام، وليست نتاج أجواء الانفتاح الفكري والثقافي، إنما هي من الظواهر المعقدة التي قد تتداخل فيها العوامل الفكرية والنفسية والاجتماعية، ولذلك فإن تحليلها والبحث في أسبابها والتعرف على دوافعها يحتاج إلى جهد كبير وبحث دقيق من متخصصين في الفكر والدين والفلسفة وعلم النفس والاجتماع.
والسطور اللاحقة تتناول أبعاد الظاهرة من حيث الأسباب، والمظاهر، والآليات، والآثار السلبية لها، وطرق المعالجة، والضوابط المطلوبة للاشتباك والعلاج للظاهرة؛
فعن الأسباب والدوافع التي تقود الشباب الى الإلحاد، يمكن القول بأن هناك فارقًا كبيرًا بين الدوافع للإلحاد في السابق والإلحاد في الوقت الراهن فمبررات الإلحاد لم تعد فلسفية كما كان عليه الأمر، بل ارتبطت بالكثير من إنكار بعض القيم الإسلامية بل وأحيانا السلوكية سواء كان الصحيح منها أو الخطأ أو الذي عبر عن اجتهاد لدى بعض الشخصيات الإسلامية، لذلك فإن معرفة أسباب الإلحاد تفيدنا في توصيف الحالة الإلحادية وتشخيصها بدقة وموضوعية، وبالتالي اتخاذ الإجراءات العلاجية الصحيحة، كما أن معرفة التنوع الكبير في أسباب الإلحاد يجعلنا أكثر موضوعية في تناول الظاهرة، وقد اتفقت معظم الكتابات والأدبيات أن تلك الأسباب والدوافع متعددة، وفي الغالب تتضافر مع بعضها البعض، ومن أهمها ما يلي:
- النشأة في بيوت لا يسمع فيها النشء والشباب ما يدله على دينه ويحببه فيه.
- الجفاف الروحي وضعف الايمان، مما يجعل الشباب عٌرضًة بشكل أكبر لأن تتقاذفه الشكوك والشبهات فينجرف معها.
- التشدد والجمود الديني الذي يؤدي بدوره إلى النفور من الدين والتدين، فالغالبية العظمى ممن ألحدوا، كان إلحادهم ردة فعل نفسية من التشدد الديني والاجتماعي.
- وجود تساؤلات تبحث عن إجابة تقابل بردود فعل تكبتها وتقمعها، فكثيرٌ ممن ألحدوا كان إلحادهم نتيجة لتساؤلات أربكت عقولهم فبحثوا عن إجابات لها ولم يجدوا شيئا، بل تعدى الأمر أن تقابل مثل هذه التساؤلات بالكبت والتخويف والتعنيف.
- سطوة الشهوات -فترية المصلحة في إباحتها- وتغلبها على قلب الشاب وأن تحريم الشرع لها خالٍ عن الحكمة، فيؤدي به بعد ذلك إلى إباحية وجحود.
- انفتاح العالم الفضائي بشقيه -القنوات الفضائية والانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي- وما يُبَثُ فيها من شهوات وشبهات تأخذ كل واحدة منهما بنصيبها من النشء والشباب مع عدم وجود حملة تحصين مضادة لآثارها.
- عدم عناية الإعلام ووسائله الرسمية بإبراز القدوات الفضائية الصالحة التي تتسم بالعلم والعمل في برامجها الحوارية الهادفة.
- عدم قيام مؤسسات التربية والتعليم من مدارس ومعاهد وجامعات بأنشطة تثقيفية للوقوف في وجه موجة الإلحاد، وبطء استجابتها للمستجدات العالمية والحراك الاجتماعي بشكل مؤسسي، وغياب كثير من أساتذة الجامعات والمربين عن المشهد الثقافي وعدم تمكينهم من المشاركة الاجتماعية.
- أنظمة الحكم في بعض البلدان، وما سببته للناس بما فيهم فئة الشباب من فتن في دينهم، فبعضها يروج الإلحاد ويقيم المؤسسات التعليمية والأنشطة التي تبثه بين النشء والشباب، وأخرى تدعي أنها تعتني بالدين، ومؤسساتها -عن غير قصد- مما يتسبب في ردة فعل عكسية من الدين والمتدينين.
- دور النشر وما تبثه من روايات إلحادية وتجارب منحرفة وكتب فكرية دُس فيها السم بألفاظ منمقة وأدبيات فلسفية تصادم ثوابت الدين تسببت في نشر غثاء الإلحاد وشكوكهم وأثرها واضح على الجيل المعاصر.
- انتشار المقاهي الثقافية التي تروج للثقافة الإلحادية وعدم وجود ضابط قانوني لها.
- تغلغل المواقع المشبوهة التي يدعمها كبار الملاحدة على الإنترنت وتدعي نصرة المظلومين وتبث ضمن ذلك ما شاءت من أفكار إلحادية.
- القتل والحروب والعنف الذي يحصل باسم الدين خاصًة من جانب الجماعات المتطرفة التي ظهرت على الساحة العربية، وفي مقدمتها تنظيم (داعش)، و(جبهة النصرة التابعة لتنظيم القاعدة)، و(أنصار بيت المقدس)، وغيرها من التنظيمات الداعمة والمبايعة لهم في كل البلدان العربية والإسلامية، والتي قد تدفع بعض الشباب إلى النفور من الدين بحجة أنه جعل البشر يقتل بعضهم بعضًا، وهذه ردة فعل عاطفية وغير واقعية؛ لأن الصراع طبيعة موجودة في الإنسان.
- تمزق الأمة وتشتتها وتفرق كلمتها، مما يدفع بعض الشباب للحيرة والتساؤل خاصةً عندما يرى أمامه مذاهب شتى لا يعلم أيها يمثل الحق.
- إشكاليات الحضارة وأزمة الهوية السائدة بين الشباب مع عدم وجود المحاضن التربوية المقنعة التي تحوي الفكر والإيمان إضافة إلى السلوك.
- الإلحاد كموضة فكرية، أحيانا تجد أن الإلحاد قد أصبح لدى البعض خاصًة في مجتمعاتنا الإسلامية مجرد موضة ومراهقة فكرية أو وسيلة للفت أنظار الآخرين واستعراض العضلات، وغالبًا ما تجد هذا عند الأشخاص محبي الظهور والشهرة ولفت الأنظار.
- واقع المرأة، ربما يكون هذا السبب مفاجئًا ولكن عددًا غير قليل من الفتيات اللواتي تركن الدين كان الواقع أو الاضطهاد الذي تعانيه المرأة باسم الإسلام هو شرارة البداية التي جعلتهن يتركن الدين ويتساءلن عن مدى صحة هذا الدين أو ملاءمته وعدله.
وعن مظاهر الإلحاد، فقد حددتها الدكتور/عبد الله بن صالح العجيري في كتابه (ميليشيا الإلحاد .. مدخل لفهم الإلحاد الجديد) الصادر في بداية عام 2014 عن مركز (تكوين) بالمملكة العربية السعودية، فيما يلي:
- الحماسة في الدعوة للإلحاد بعدما كان الإلحاد شأناً ذاتياً، ومن مظاهر هذه الحماسة للدعوة للإلحاد تأليف سيل من الكتب الإلحادية وتصدرها قوائم الكتب الأكثر مبيعا، ولم تنجُ كتب الأطفال من هذه الموجة حيث كتبت عدة مؤلفات إلحادية للأطفال والمراهقين، وأيضا امتدت هذه الموجة للبرامج الفضائية والإذاعية وحتى برامج رسوم الأطفال طالتها هذه الموجة، وتوج ذلك بظهور عدة مؤسسات للملحدين ترعى هذه الدعوة وتقوم بالدعاية لها من خلال اللوحات الإعلانية على الطرقات أو المنتجات المختلفة من الملابس والأدوات.
- عدائية الخطاب: حيث قال أحد الملحدين (ذهبت أيام الإلحاد المؤدب)، وذلك باستخدام أبشع الصفات والنعوت تجاه المقدسات، وما نراه في كتابات بعض الملحدين العرب هو انعكاس لتلك الروح العدائية، وهذه العدائية تعتبر من نقاط الخلاف بين الملاحدة الجٌدُدْ والقدماء المعترضين على المبالغة في الإهانة والاستهزاء بالمتدينين.
- استعمال أداة الإرهاب في حرب الأديان، وذلك بربط كل المشاكل والشرور في العالم بمتدينين كانوا وراءها، ومن ثم الخروج بقانون (كل الشرور دينية)، لدرجة أنهم اعتبروا الاتحاد السوفييتي متدينًا ولذلك كان متخلفا ثم انهار!
- الهجوم اللاذع على دين الإسلام، فبرغم أن الإلحاد الجديد ظهر في الغرب وهو يصطدم بشكل أساسي مع المسيحية، إلا أنهم يخصّون الإسلام بقدر خاص من عدائهم وعدوانهم، ولذلك تنتشر في إصداراتهم الطعن بالمصطلحات الإسلامية، وأيضاً يلاحظ احتفاءهم المبالغ فيه برموز الإلحاد الإسلامية مثل "آيان هرسي الصومالية، وحمزة كاشغري السعودي".
- جاذبية الإلحاد الجديد، فعلى عكس الإلحاد القديم الذي كان يقوم على جانب فلسفي ونظري، فإن الإلحاد الجديد أصبح موضة، وأصبح لرموزه معجبون وعشاق يتابعون أخبارهم ويعلقون صورهم ويطلبون توقيعاتهم، مما جعل الحالة تكاد تصل للتقديس.
- المغالاة الشديدة في قبول العلوم الطبيعية التجريبية، حتى وصلت هذه المغالاة لدرجة الهوس والخرافة، والتي بموجبها ألحد البعض هروبًا منها عند المتدينين تحديدًا.
وعن آليات الفكر الإلحادي، فقد أشار المركز الاقليمي للدراسات الاستراتيجية بالقاهرة إلى أن بعض الملحدين يعتمدون على عدة آليات لإثبات وجودهم وتأثيرهم في المجتمع، ومن أهم تلك الآليات ما يلي:
- شبكات التواصل الاجتماعي: حيث تُعد شبكات التواصل الاجتماعي المؤشر الأكثر دلالة على وجود اتجاهات إلحادية، في ظل ما توفره من إمكانية استخدام أسماء مستعارة، وتشديد إجراءات الخصوصية، فعلى موقع "فيسبوك" تتعدد الصفحات المعبرة عن الملحدين في الإقليم مثل صفحات "ملحد وأفتخر"، و"ملحدون فلسطينيون"، و"ملحدو الجزائر"، و"ملحدو سوريا"، وصفحة "ملحدين مصريين" و"ملحدون بلا حدود" وصفحة "فجر الإلحاد في العالم العربي" فضلاً عن حسابات "تويتر" ذات الهوية الزائفة التي تنشر الفكر الإلحادي في المجال الافتراضي بعيدًا عن رقابة الدولة.
- تأسيس منصات إعلامية: حيث لم يتوقف بعض الملحدين عند الإعلان عن أنفسهم من خلال الإنترنت أو استخدام موقع "يوتيوب"، وإنما اتجهوا لتأسيس منصات إعلامية للترويج لأفكارهم من خلال البث عبر الأقمار الصناعية من خارج المنطقة العربية، وفي هذا الصدد سعت إحدى المجموعات لإطلاق قناة فضائية تحت اسم " قناة الملحدين بالعربي" بحيث يتم بثها من قبرص، أو أي دولة خارج المنطقة، فيما تستغل بعض العناصر الإلحادية مساحات إعلامية توفرها بعض القنوات التبشيرية المتطرفة التي تبث من الخارج باللغة العربية، وتعبر عن اتجاهات دينية غير معترف بها من الكنائس الرئيسية بالإقليم.
- تشكيل تنظيمات للأعضاء: حيث اتجه بعض الملحدين للإعلان عن تأسيس تنظيمات تعبر عن وجودهم مثل "اتحاد الملحدين العرب" و"مركز تحالف الإلحاد الدولي" الذي تأسس في مطلع عام 2013وبات يضم آلاف الأعضاء وفق تقارير عن جنسيات الأعضاء نشرها المركز، وتستهدف تلك التنظيمات تكوين تكتلات ضاغطة على دول الإقليم بهدف الاعتراف بوجودهم، وإنهاء ما يطلقون عليه تمييزًا دينيًا، فضلا عن الترويج لأفكارهم بين الشباب.
- ممارسة الاحتجاج السياسي: حيث اتجه عدد من الملحدين ومتطرفو التغريب والعلمنة في دول الإقليم إلى تنظيم احتجاجات تتحدى القيم المجتمعية على غرار الاحتجاجات التي تنظمها "جماعة فيمن" النسائية التي وجدت لها أنصارًا في دول الإقليم مثل الناشطة أمينة تايلر في تونس التي نشرت صورتها وقد كتبت على جسدها عبارة "لا مزيد من الدروس" تعبيرًا عن رفض الوصاية الدينية، وهو ما دفع الجماعات الدينية لإهدار دمها، والأمر نفسه ينطبق على المصرية علياء المهدي التي انضمت لاحتجاجات يتم فيها توظيف الجسد وكتابة شعارات تتحدى الثوابت الدينية والمجتمعية، وهو ما ينطبق أيضًا على الاحتجاجات التي ينظمها الملحدون الأكراد للتنديد بالخطاب الديني لبعض أئمة المساجد، وتحريضهم على الكراهية، على حد تعبيرهم.
- الاتجاه إلى "ازدراء الأديان": فلم يعد يقتصر خطاب الملحدين على التشكيك في المعتقدات الدينية، وطرح أسئلة جدلية حول الثوابت المجتمعية، واستغلال مظاهر التطرف الديني لدى بعض التنظيمات الإرهابية والجماعات المتشددة، فبعض الملحدين باتوا أكثر تطرفًا في تحدي المعتقدات السائدة من خلال ممارسات تصنف في إطار "ازدراء الأديان"، مثل قيام أحد الملحدين بنشر صورة وهو يرفع لافتة في الحرم المكي مكتوبًا عليها بالإنجليزية "ملحد وأفتخر" ونشر آخرين مقاطع فيديو يقومون خلالها بتدنيس أو تمزيق الكتب المقدسة للأديان السماوية الثلاث، وقيام مدونين على موقع "تويتر" برصد مكافآت مالية لمن يعلن إلحاده على الملأ.
- تدويل المطالب الحقوقية: حيث تتجه بعض الجماعات الإلحادية للضغط على الحكومات من خلال توظيف المنظمات الحقوقية الدولية، وادعاء تعرضها للاضطهاد والملاحقة الأمنية، ومحاولة انتزاع وضعية الأقلية الدينية، ففي أكتوبر 2014 أعدت مجموعة من الملحدين العراقيين وثيقة لجمع التوقيعات لتقديمها للأمانة العامة للأمم المتحدة تطالب بحماية الملحدين من الاضطهاد الديني في العالم العربي، وتقديم ضمانات لحرية الاعتقاد، على حد تعبيرهم.
وعن الآثار السلبية للإلحاد، فيمكن القول بأن الإلحاد له آثاره الواضحة في سلوك الفرد وفي أخلاق الأمم ونظم المجتمعات، ويمكن إجمالها فيما يلي:
- القلق والصراع النفسي: حيث إن أول الآثار التي يخلفها الإلحاد في نفوس الأفراد هو القلق والحيرة والاضطراب والصراع النفسي، والخوف من المستقبل.
- الأنانية والفردية: فالنتيجة الحتمية للقلق النفسي والخوف من الأيام والمستقبل هي اتجاه الإنسان نحو الفردية والأنانية ونعني بالأنانية اتجاه الإنسان لخدمة مصالحه الخاصة وعدم التفكير في الآخرين، وبذلك بدأ الناس في عصور الإلحاد المظلمة لا يأبهون لغيرهم من بني البشر، وشيئاً فشيئاً قلت العناية بالفقراء والمحتاجين ثم بالأهل والأقربين ثم بالوالدين وأيضاً بالزوجة والأولاد.
- فقدان الوازع والنزوع إلى الإجرام: لأن الإلحاد لا يٌهذب الضمير، ولا يخوف الإنسان من إله قوي قادر يراقب التصرفات والأعمال، فإن الملحد ينشأ غليظ القلب عديم الإحساس وفاقد الوازع الذي يردعه عن الظلم ويأمره بالإحسان والرحمة.
- هدم النظام الأسري: فالإلحاد له آثاره المدمرة في الحياة الاجتماعية للإنسان، فالبعد عن الله سبحانه وتعالى لم يكن من آثاره تدمير النفسية البشرية فقط وإنما كان من لوازم ذلك تدمير المجتمع الإنساني وتفكيكه، وما يترتب على ذلك من هدم النظام الأسري.
- تخريب المجتمعات: الأسرة هي الخلية الأولى من البناء الاجتماعي، وبفسادها يفسد النظام كله لأن الأسرة هي المحضن الأول للإنسان وإذا فسد الإنسان فسدت اللبنات التي تكون هذا البناء.
- الإجرام السياسي: لعل أعظم آثار الإلحاد هو آثاره في السياسة العالمية، ونظام العلاقات بين الدول، وذلك لأن الأخلاق المادية الإلحادية التي جعلت قلب الإنسان يمتلئ بالقسوة والأنانية دفعت الإنسان إلى تطبيق هذه القسوة والأنانية في مجال العلاقات السياسية العالمية أيضًا، ولذلك فالدول الاستعمارية الكبرى تلجأ إلى وسائل خسيسة جداً في استعباد الشعوب الضعيفة والحصول على خيراتها ونهب ثرواتها، وبلادنا الإسلامية بوجه عام والعربية بوجه خاص هي أشقى البلاد الضعيفة بهذه السياسات المادية الإلحادية.
وعن معالجة ظاهرة الإلحاد، فهناك العديد من الرؤى المطروحة في هذا الشأن، والتي لا يمكن التقليل من أهميتها، وكان منها ما يلي:
- الدعوة إلى توحيد الله سبحانه بالحكمة والموعظة الحسنة.
- قيام المؤسسات الدينية بمهامها الدعوية على أكمل وجه، والتصدي للتطرف الفكري الذي يأتي من بعض المنابر وبعض الفضائيات.
- قيام الأزهر الشريف بدوره الرقابي فيما يتعلق بالكتب والمطبوعات حتى لا تخرج كتب وروايات تطعن في الدين وتسب الذات الإلهية والرسل والأنبياء.
- قيام وسائل الإعلام المسموعة والمرئية بزيادة عدد ساعات البرامج الدينية.
- قيام وزارة الأوقاف بإنشاء وبث قناة تلفزيونية دينية تنشر الوعي الديني حتى لا يقع الشباب المسلم في شباك التنظيمات المعادية.
- تكاتف المجتمع من أجل تنمية الوعي الديني بين أفراد المجتمع، عن طريق مؤسسات التربية كالأسرة والمدرسة والجامعة ووسائل الإعلام.
- اهتمام المفكرون والمربون بحوار الشباب المتسائل، وأن يرحبوا بكل أسئلته أيًّا كانت.
مما سبق يمكن القول بأن الإلحاد لا يُعادي الإسلام فقط، إنما يُعادي كل الديانات السماوية وحتى الفلسفات الوضعية نفسها، وذلك لأن القاعدة التي ينتهجها الملحدون أنفسهم، هي أنهم لا يعترفون بدين، ولا بوجود الله أصلاً، لذلك فإن انتشار الإلحاد يعتبر بمثابة حرب جديدة من نوع آخر، تُدار بأيد أناسٍ لا يعرفون الله، الأمر الذي يستوجب التصدي لهذه الظاهرة قبل أن يشتد عودها ويتجذر شرها، والتأكيد على أن للمجتمع حكومة ومؤسسات وأفراد أن تواجه هذا الخطر من خلال تحصين الشباب ضد الفكر الإلحادي ومن ارتيادهم المواقع الإلكترونية التي تروج لهذا الفكر، والتي يصعب فرض الرقابة عليها، فضلاً عن تكثيف برامج التوعية الثقافية والفكرية، ولعل أفضل ما تمَّ في هذا الشأن المبادرة التي أعلنت عنها كل من وزارة الأوقاف ووزارة الشباب والرياضة في منتصف أكتوبر 2014، والتي تستهدف الوصول إلى النشء والشباب في أماكن تجمعاتهم التي تشرف عليها وزارة الشباب والرياضة بمختلف المحافظات والتي تتنوع فيما بين: (مراكز الشباب، المنتديات الشبابية، المدن شبابية، مراكز التعليم المدني) فضلاً عن الأندية الرياضية، ومراكز التنمية الرياضية، بما تشمله من أنشطة وبرامج وفعاليات تنظمها وتمولها وزارة الشباب والرياضة.
لكن ثمة مجموعة من الأسئلة تطرح نفسها، هل حققت تلك المبادرة نتائجها حتى الآن أم لا؟ وكيف يمكن قياس أثر ونتائج تلك المبادرة؟ وهل المبادرة استهدفت فئات معينة من النشء والشباب الذين يتم مشاركتهم بصفة عامة ودورية في أنشطة وزارة الشباب والرياضة؟ أم استهدفت جموع النش والشباب على مستوى الجمهورية بمدنها وقراها ونجوعها وكفورها وعزبها وليس فقط في أماكن تجمعاتهم المُشار اليها سلفاً؟ ولماذا اقتصرت تلك المبادرة فقط على مؤسسة الأزهر الشريف ووزارة الأوقاف ودار الافتاء المصرية ووزارة الشباب والرياضة؟ ولماذا لم تتكاتف جميع الجهات العاملة والمعنية بمجال رعاية النشء والشباب في هذا الأمر ويأتي في مقدمتها وزارات الثقافة، والاعلام والتربية والتعليم، والتعليم العالي، والبحث العلمي وغيرها من المؤسسات الحكومية والغير حكومية فضلاً عن الكنيسة نفسها؟ وهل انتهجت المؤسسات المعنية بالدول العربية والإسلامية الأخرى نفس النهج والنموذج الذي تمَّ تنفيذه بمصر أم لا؟ كل ذلك في ضوء استحضار توصيات المجمع الفقهي في رابطة العالم الإسلامي، في ختام اجتماعاته بمكة المكرمة في منتصف ديسمبر 2012، للتحذير من بوادر الإلحاد وتفشيها في المجتمعات العربية والإسلامية.
الأمر جُلّ عظيم ويتطلب تكاتف الجميع والتخلي عن المكاسب الشخصية ليس فقط على مستوى الوطن ولكن على المستوى العربي والإسلامي، ولعل ما تمَّ تناوله في هذا المقال يكون باكورة لأن تتناول المراكز البحثية والعلمية المتخصصة أفكار الإلحاد وأطروحاته بالبحث والدراسة والتوثيق خاصةً بين صفوف الشباب، فضلاً عن الوقوف خلف الأزهر الشريف لاستعادة دوره الديني والوطني الكامل من خلال تطوير الخطاب الديني، ونشر الأفكار الصحيحة وترويجها وتيسيرها للعوام في الكتب والصحف والإعلام المكتوب والمرئي والمسموع، وتقديم الاستشارات الفكرية والتربوية والنفسية للشباب المتشكك وأصحاب التساؤلات وأهالي الملحدين وأصحابهم وزملائهم في العمل والدراسة وتوفير الدعم الفكري والنفسي عند اللزوم، وكذلك التدخل السريع للحوار مع الملحدين بغرض هدايتهم أو مناظرتهم إذا تطلب الأمر، وأيضاً التوسع في تنفيذ المبادرات التي من شأنها مجابهة هذا الخطر مع مراعاة اختيار مسميات وشعارات لها ليس على أساس ديني وإنما على أساس اجتماعي واسم شبابي، بالإضافة إلى تكثيف كافة الجهود لإنجاح خطة مواجهة الإلحاد التي وضعها الدكتور/ أحمد ترك مدير عام بحوث الدعوة بوزارة الأوقاف المصرية، والتي تضمنت مواجهة الظاهرة في المجتمع المصري من خلال توعية الشباب بخطورة الإلحاد على العقيدة والأخلاق والانتماء الوطني، بالإضافة إلى معالجة شبهات الملحدين نفسيًا وإيمانيًا واجتماعيًا من خلال فريق عمل متكامل في كافة التخصصات المعنية، كما يجب تفعيل ورقة السياسات الصادرة خلال شهر يناير 2014 عن مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء تحت عنوان (الملحدون في مصر) ، مع إمكانية ادخال التعديلات والتنقيحات عليها وفقاً لأسس صياغة أوراق السياسات المشتملة على: (تحديد وصياغة المشكلة، وتحليل الوضع الراهن وتحدياته، والاشارة إلى السياسات السابقة إن وجدت، وصياغة البدائل المتاحة مع إيضاح إيجابيات وسلبيات كل بديل مع مراعاة ألا تزيد عن ثلاث بدائل وفقاً لمواصفات ورقة السياسات الجيدة، وتحديد الفاعلون والجهات المعنية بالتنفيذ، والتوصية بالأخذ بأحد أهم تلك البدائل)، ويمكن في هذا الصدد الاستعانة بخبراء وضع السياسات من أساتذة كليات الاقتصاد والعلوم السياسية.
ختامًا لابد من ايضاح الضوابط المطلوبة للاشتباك والعلاج لظاهرة الإلحاد والمتمثلة فيما يلي:
- ضرورة تحري الصدق والعدل والموضوعية في تناول الإلحاد، لأن هذا أدعى للقبول وحتى لا يكون هذا مدخلاً للطعن على الإسلام.
- عدم تسطيح الظاهرة الإلحادية، وذلك بعدم فهم شبهة المُلحد والإجابة بجواب ناقص.
- تجديد الخطاب العقدي لعلاج الإلحاد، لأن الإلحاد المعاصر تطور عن الإلحاد القديم، وأصبح يعتمد على ركائز جديدة، لا يصلح معها العلاج القديم، ولابد من الاستفادة من العلوم العصرية لإبطال شٌبه الملاحدة.
- ضرورة تقديم رؤى نقدية موضوعية للإلحاد، وعدم الاكتفاء بالدفاع، لأن الإسلام والإيمان هما الحق، والإلحاد هو الباطل، ومن أبرز نقاط ضعف الإلحاد غياب مرتكز الأخلاق في مَنْطِقِه، فالإلحاد لا منطق له في وجود الأخلاق وهذا مٌخالف لكل من الفطرة والعقول السوية.
- تأصيل المنهج الشرعي للتعامل مع الشبهات، حتى لا يقع الضرر ويتأثر المسلم بتلك الشبهات بدلاً من نقضها.
- ترسيخ الحضور القرآني في قضايانا الفكرية، وهو ملمح مهم يعطي المسلم قوة في طرحه.
- اختيار اسم وشعار المبادرات ليس على أساس ديني وإنما على أساس اجتماعي واسم شبابي